لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ، قَالَ ﵊ «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ) لِأَنَّهَا قَدْ طَهُرَتْ بِالدِّبَاغِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَشَعْرِهَا وَوَبَرِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ)؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ؛ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀، وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ حَتَّى يُبَاعُ عَظْمُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ)
لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا، قَالَ ﷺ «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ تَقْرِيرُهُ وَتَخْرِيجُهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا، فَإِنْ قِيلَ: نَجَاسَتُهَا لَيْسَتْ إلَّا لِمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا كَالثَّوْبِ النَّجِسِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُنَجَّسَ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَمَا لَمْ يُزَايِلْهُ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجِلْدُ نَجِسَ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ عَارِضَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ بِمَا فِيهِ. وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِيُحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مَا عَلَّلَ الْمَنْعَ إلَّا بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَلَّلَ بِالنَّجَاسَةِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهَا بُطْلَانُ بَيْعٍ أَصْلًا، فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ دَائِرٌ مَعَ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَهِيَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ، فَإِنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ جَائِزٌ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ الدِّبَاغَةِ فَلِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا حِينَئِذٍ شَرْعًا، وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا زِيَادَةٌ تَثْبُتُ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ (وَيَجُوزُ بَيْعُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَشَعْرِهَا) وَرِيشِهَا وَمِنْقَارِهَا وَظِلْفِهَا وَحَافِرِهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لَا تَحِلُّهَا الْحَيَاةُ فَلَا يَحِلُّهَا الْمَوْتُ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَالْفِيلُ كَالْخِنْزِيرِ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ هُوَ كَسَائِرِ السِّبَاعِ نَجِسُ السُّؤْرِ وَاللَّحْمِ لَا الْعَيْنِ فَيَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْحَمْلِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالرُّكُوبِ فَكَانَ كَالْكَلْبِ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. قِيلَ وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى لِفَاطِمَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ وَظَهَرَ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ»، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ نَحْوِ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ: أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدْهُنُونَ فِيهَا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَإِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْعَ بَيْعِ الْقِرْدِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ
(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَعُلُوُّهُ لِآخَرَ فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلُوُّ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ عُلُوَّهُ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إلَّا حَقُّ التَّعَلِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute