أَوْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا. .
إصَابَةُ حِصَّتِهَا إيَّاهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ الْمُسْتَلْزَمِ لِشِرَائِهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَفْسُدَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَوْ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، لِأَنَّ عِنْدَ تَقْسِيمِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، لَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّهُ أَيْضًا فَاسِدٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا الْمَعْنَى آخَرُ وَهُوَ تَكَثُّرُ جِهَاتِ الْجَوَازِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ، بِخِلَافِ الْأَكْرَارِ وَأَمْثَالِهَا حَيْثُ يَتَحَرَّى الْجَوَازَ فِيهَا لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْجَوَازِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ، وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَمْتَنِعَ ثُبُوتُ مُوجَبٍ لَهُ مُوجِبَانِ تَثْبُتُ لَهُ دُفْعَةً فَيَمْتَنِعُ تَعَدُّدُ الْعِلَلِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَشِيعُ الْفَسَادُ فِي الْجَارِيَتَيْنِ؛ وَمَا أَبْشَعَ قَوْلِ قَائِلٍ إذَا كَثُرَتْ جِهَاتُ الْحِلِّ بِلَا مُعَارِضٍ يَحْرُمُ.
وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُوجِبَاتِ مُتَحَقِّقَةٌ وَهُنَا الْمُجَوِّزُ مَوْقُوفٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ وَاحِدٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَا يَزِيدُ النَّظَرَ إلَّا وَكَادَةً، فَإِنَّ الْآخَرَ قَبْلَ الِاعْتِبَارِ لَا وُجُودَ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ الْمُجَوِّزُ الَّذِي وُجِدَ وَتَحَقَّقَ بِتَحَقُّقِ الِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَحِينَ فَهِمَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ عَدَلَ إلَى وَجْهٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْوَجْهُ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ فَيَفْسُدُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَذْهَبِ فِي شَيْءٍ، بَلْ إذَا اجْتَمَعَا فِيهِ اُعْتُبِرَ وَجْهُ الصِّحَّةِ تَصْحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَيْعِ قَفِيزِ حِنْطَةٍ وَقَفِيزِ شَعِيرٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ حَيْثُ يَصِحُّ وَيُتَحَرَّى لِلْجَوَازِ اعْتِبَارًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ.
وَلَا إشْكَالَ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَلْ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا، فَدَفَعَهُ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا بِيعَتْ أَوَّلًا ضَعِيفٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ يَسْرِ لِلْأُخْرَى كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ لَا يَفْسُدُ فِي الْآخَرِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. وَاسْتَشْكَلَ بِمَا لَوْ أَسْلَمَ قُوهِيًّا فِي قُوهِيٍّ وَمَرْوِيٍّ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي الْمَرْوِيِّ؛ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ عِنْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ مَعَ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِنَّ إسْلَامَ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا مُخَلِّصَ مِنْهُ إلَّا بِتَغْيِيرِ تَعْلِيلِ تَعَدِّي الْفَسَادِ بِقُوَّةِ الْفَسَادِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ إلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ يَجْعَلَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ شَرْطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْمَرْوِيِّ، فَيَفْسُدُ فِي الْمَرْوِيِّ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute