قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فِي ظَرْفٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رَطْلًا فَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَوْ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ بِوَزْنِ الظَّرْفِ جَازَ)؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ.
قَالَ (وَمَنْ) (اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الظَّرْفَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ) فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي
وَفِي الْهَرَوِيِّ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَكَذَا اعْتَرَفَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ أَنْ عَلَّلَ هُوَ بِهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ.
ثَانِيهَا أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأُولَى لِشُبْهَةِ الرِّبَا وَسَلَامَةِ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا ضَمَانَ يُقَابِلُهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَضْمُونَةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا تِلْكَ الشُّبْهَةَ فِي الَّتِي ضُمَّتْ إلَى الْمُشْتَرَاةِ أَوَّلًا كَانَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ اعْتِبَارَ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ الْأَلْفَ وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَيَرُدَّهُ فَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَبِالْبَيْعِ الثَّانِي يَقَعُ الْأَمْنُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي مُشْتَرِيًا أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ.
ثَالِثُهَا: أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَوَّلِ طَارِئٌ غَيْرُ مُقَارِنٍ. وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي الْعَقْدِ مَا يُوجِبُ فَسَادَهُ فَإِنَّهُ قَابَلَ الثَّمَنَ بِالْجَارِيَتَيْنِ وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ صَحِيحَةٌ، وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقَطِعُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَصِيرُ الْبَعْضُ بِإِزَاءِ مَا لَمْ يَبِعْ فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيمَا بَاعَهُ. وَهَذَا فَسَادٌ طَرَأَ الْآنَ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ بَعْدَ وُجُوبِ الثَّمَنِ أَيْ بَعْدَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْأُخْرَى وَالْآخَرِ بِسَبَبِ الْمُقَاصَّةِ، فَإِنَّ الْمُقَاصَّةَ تَقَعُ بَيْنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّمَنِ الثَّانِي فَيَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ لَمَّا بَاعَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ فَتَقَاصَّا الْخَمْسَمِائَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ مِثْلِهَا فَيَبْقَى لِلْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلُ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى مَعَ الْجَارِيَةِ، وَالْمُقَاصَّةُ تَقَعُ عَقِبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي فَيَفْسُدُ عِنْدَهَا فَهُوَ طَارِئٌ فَلَا يَظْهَرُ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ ثُمَّ أَلْحَقَا فِي ثَمَنِ أَحَدِهِمَا أَجَلًا هُوَ وَقْتُ الْحَصَادِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأُورِدُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ مَا بَاعَهُ أَوَّلًا شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ.
قُلْنَا: قَبُولُ الْعَقْدِ فِيهِ لَيْسَ شَرْطًا فَاسِدًا: أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَنُهُ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافَ جِنْسِهِ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ، وَهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ الثَّانِي. وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ جَازَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي نِصْفِهِ.
وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ، إنْ كَانَتْ الْوِلَادَةُ نَقَصَتْهَا جَازَ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ، وَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ رِبْحٌ لَا عَلَى ضَمَانِهِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى زَيْتًا فِي ظَرْفٍ) صُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ هَذَا الزَّيْتَ وَهُوَ أَلْفُ رَطْلٍ عَلَى أَنَّهُ يَزِنُهُ بِظُرُوفِهِ فَيَطْرَحُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا قَالَ هَذَا فَاسِدٌ، وَإِنْ كَانَ قَالَ عَلَى أَنْ تَطْرَحَ عَنِّي وَزْنَ الظَّرْفِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ شَرَطَ أَنْ يَتَعَرَّفَ قَدْرَ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute