لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ.
قَالَ: (وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ شِرَائِهَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَا لَا يَجُوزُ: عَلَى الْمُسْلِمِ) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخِنْزِيرُ، وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ بِبَيْعِ صَيْدِهِ
لِيَخُصَّ بِالثَّمَنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ تَزِنَهُ فَتَطْرَحَ عَنْهُ لِكُلِّ ظَرْفٍ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسِينَ فَإِنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ زِنَةَ الظَّرْفِ قَدْ تَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمَبِيعِ وَهُوَ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْهَا فَيَكُونُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ الثَّمَنِ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَبِيعٍ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ، وَالْمَسْأَلَةُ بَعْدَهَا فَرْعٌ عَلَيْهَا.
وَهُوَ مَا فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ السَّمْنَ الَّذِي فِي هَذَا الزِّقِّ كُلَّ رَطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَوَزَنَهُ لَهُ بِزِقِّهِ فَبَلَغَ مِائَةً وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَقَالَ وَجَدْت السَّمْنَ تِسْعِينَ رَطْلًا وَالزِّقَّ هَذَا وَزْنُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ (لِأَنَّ هَذَا) الِاخْتِلَافَ (إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا رَاجِعًا إلَى تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ) كَالْغَاصِبِ (أَوْ أَمِينًا) كَالْمُودِعِ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِقًّا آخَرَ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ فَمَرْجِعُهُ خِلَافٌ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ) وَاسْتُشْكِلَ بِمَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا بَاعَ عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ وَجَاءَ بِالْآخَرِ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَيِّتِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ التَّحَالُفِ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ، وَهُنَا جَعَلَ الْقَوْلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ.
أُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا مَعَ هَذِهِ طَرْدٌ، فَإِنَّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَهُنَاكَ إنَّمَا كَانَ لِلْبَائِعِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّحَالُفَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيهَا عِنْدَ وُرُودِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ قَصْدًا، وَهُنَا الِاخْتِلَافُ فِيهِ تَبَعٌ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَهُوَ هَذَا أَوْ لَا فَلَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ
(قَوْلُهُ وَإِذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ شِرَائِهِمَا فَفَعَلَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀) حَتَّى يَدْخُلَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ الْمُوَكِّلِ فَيَجِبُ أَنْ يُخَلِّلَ الْخَمْرَ أَوْ يُرِيقَهَا وَيُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ هَذَا فِي الشِّرَاءِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ خَمْرٌ أَوْ خِنْزِيرٌ.
وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فَيُسْلِمَ عَلَيْهِمَا وَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُزِيلَهَا وَلَهُ وَارِثٌ مُسْلِمٌ فَيَرِثُهُمَا فَيُوَكَّلُ كَافِرًا بِبَيْعِهِمَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِمَا لِتَمَكُّنِ الْخَبَثِ فِيهِ، قَالَ ﷺ إنَّ الَّذِي حَرَّمَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ. وَحَاصِلُ الْوَجْهِ مِنْ جَانِبِهِمْ إثْبَاتُ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ هَذَا التَّوْكِيلِ، وَمِنْ جَانِبِهِ عَدَمُ الْمَانِعِ بِالْقَدْحِ فِي مَانِعِيَّةِ مَا جَعَلُوهُ مَانِعًا فَيَبْقَى الْجَوَازُ عَلَى الْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute