قَالَ (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ)؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْوَكَالَةِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِالثَّمَنِ وَفِي الشِّرَاءِ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ أَوْ يُخَلِّلَهَا بَقِيَ تَصَرُّفًا غَيْرَ مُعَقَّبٍ لِفَائِدَتِهِ، وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُون مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ) قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت بِهَا أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعًا وَشَرَطَ شَرْطًا فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَسَأَلْته فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ، فَقُلْت: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَأَتَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا. حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا. حَدَّثَنِي هَمَّامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ «عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ أَنْ أَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأُعْتِقَهَا» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا قَالَا. حَدَّثَنِي مِسْعَرُ بْنُ كَدَامٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ ﵁ قَالَ: «بِعْت مِنْ النَّبِيِّ ﷺ نَاقَةً وَشَرَطَ لِي حُمْلَانَهَا إلَى الْمَدِينَةِ» الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ.
وَمِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ مُسْتَدَلٌّ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِيهَا فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا التَّخْصِيصَ فَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ ﵀ عَلَيْهِ، وَاسْتَثْنَى مَنْ مَنَعَ الْبَيْعَ مَعَ الشَّرْطِ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَا رَدَّ فِي حَدِيثِهَا إلَّا الْوَلَاءَ.
وَذَكَرَ الْأَقْطَعُ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁، وَحَدِيثُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقُلْت: إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِيدَهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُك لِي فَعَلْت، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ ﵂ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ» الْحَدِيثُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ، وَفِيهِ إبْطَالُ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute