للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ جُمْلَةُ الْمَذْهَبِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ شَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَكُلُّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ يُفْسِدُهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ الْمَبِيعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَارِيَّةً عَنْ الْعِوَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ مَقْصُودِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدِ لَا يُفْسِدُهُ

بَيْعَهُ.

وَقَالَ: إنَّمَا اشْتَرَطَتْ عَائِشَةُ الْوَلَاءَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ: إنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْك كِتَابَتَك، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَرَدَّ اشْتِرَاطَهُمْ الْوَلَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ وَالْعِتْقَ مِنْ عَائِشَةَ ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ أَمْرًا لَا يَحِلُّ شَرْعًا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَقَعَ عِتْقُك إذَا أَعْتَقْته يَبْطُلُ هُوَ دُونَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا يُمْكِنُ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ كَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ طَاقَةِ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْكَنَ وَيَكُونُ أَصْلُ هَذَا حَدِيثُ بَرِيرَةَ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّمَا لَمْ يَخُصُّوهُ بِهِ لِأَنَّ الْعَامَّ عِنْدَهُمْ يُعَارِضُ الْخَاصَّ وَيُطْلَبُ مَعَهُ أَسْبَابُ التَّرْجِيحِ، وَالْمُرَجِّحُ هُنَا لِلْعَامِّ وَهُوَ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مَانِعًا. وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ مُبِيحٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّ مَا فِيهِ الْإِبَاحَةُ مَنْسُوخٌ بِمَا فِيهِ النَّهْيُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ شُبْرُمَةَ فَالشَّرْطُ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ حُمْلَانِهِ لَمْ يَقَعْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَنَحْنُ كَذَلِكَ نَقُولُ مَعَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْعَامِّ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِإِفْسَادِ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُرْسَلِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ؟ قُلْت: ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِجَدِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحٌ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَرَوَى هَذَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ بَلَاغًا. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ حَكِيمٍ قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ فِي الْبَيْعِ: عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَرِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» وَمَعْنَى السَّلَفِ فِي الْبَيْعِ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ الْبَيْعِ الَّذِي شَرَطَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّرْطِ (أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ) كَشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمُوجِبِ الْعَقْدِ أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ، لَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>