للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا إذَا كَانَا يَعْرِفَانِهِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا، أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ مَعْلُومَةٌ بِالْأَيَّامِ فَلَا جَهَالَةَ فِيهِ.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ)، وَكَذَلِكَ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْقِطَافِ وَالْجِزَازِ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ، وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِيهَا

مُجَرَّدَ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ، وَلَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُنَاسِبُ تَعْلِيلَ فَسَادِ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ.

وَبِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَعْرِفْ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الْفَسَادَ) بِالتَّأْجِيلِ إلَى هَذِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ خُصُوصِ أَوْقَاتِهَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ. فَلَوْ كَانَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ صَحَّ. قِيلَ: وَتَخْصِيصُهُ الْيَهُودَ بِالْفِطْرِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ صَوْمِهِمْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُفْسِدَ الْجَهَالَةُ، فَإِذَا انْتَفَتْ بِالْعِلْمِ بِخُصُوصِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ. وَلِذَا قَالَ (أَوْ كَانَ التَّأْجِيلُ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ) وَهِيَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ يَصِحُّ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا هُوَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنُ، أَمَّا لَوْ كَانَ ثَمَنًا عَيْنًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالْأَجَلِ فِيهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُفْسِدًا لِتَأْجِيلِ الْبَيْعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ. وَقَوْلِهِ (لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ) الْمُمَاكَسَةُ: اسْتِنْقَاصُ الثَّمَنِ، وَالْمَكْسُ وَالْمِكَاسُ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَيْعِ عَادَةً وَهُوَ يُوجِبُ الْمُنَازَعَةَ، فَكَانَتْ الْمُنَازَعَةُ ثَابِتَةً فِي الْبَيْعِ لِوُجُودِ مُوجِبِهَا فِي الْجُمْلَةِ.

وَعِنْدَ جَهَالَةِ وَقْتِ الْقَبْضِ يُحَصِّلُ أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالدِّينِ وَالنَّفْسِ فَلَا يُشْرَعُ الْعَقْدُ مَعَ ذَلِكَ. وَحَقِيقَةُ هَذَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْبَيْعُ هَذِهِ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ. بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ

(وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا (وَ) مِثْلُهُ (الْقِطَافُ) وَهُوَ لِلْعِنَبِ (وَالدِّيَاسُ) وَهُوَ دَوْسُ الْحَبِّ بِالْقَدَمِ لِيَنْقَشِرَ، وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ يَاءً لِلْكَسْرِ قَبْلَهَا (وَالْجِزَازُ) أَيْ جَزَّ صُوفِ الْغَنَمِ (لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ) وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِزَازُ النَّخْلِ (وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُسْتَدْرَكَةٌ) أَيْ قَرِيبٌ تَدَارُكُهَا وَإِزَالَةُ جَهَالَتِهَا وَتَحْلِيلُ الدَّلِيلِ هَكَذَا هَذِهِ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ.

وَكُلُّ جَهَالَةٍ يَسِيرَةٍ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فَهَذِهِ مُتَحَمَّلَةٌ فِيهَا. وَعَلَى هَذَا فَالسُّؤَالُ الْمُورَدُ مِنْ قِبَلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ كَوْنُ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ مُتَحَمَّلَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّأْجِيلُ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمَجْهُولَةِ مُتَحَمَّلًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَتَحَمَّلُ الْجَهَالَةَ حَيْثُ يَحْتَمِلُ جَهَالَةَ وَصْفِهِ ثُمَّ لَا يَصِحُّ فِي اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْآجَالِ سُؤَالُ أَجْنَبِيٍّ عَنْ هَذَا الْمَحِلِّ. ثُمَّ أَجَابَ أَنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ هَذِهِ الْآجَالِ فِي الصَّدَاقِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْبَعْضِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الصَّدَاقِ إلَيْهَا.

وَإِنَّمَا يَرِدُ هَذَا إذَا قِيلَ الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الصَّدَاقِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فَيُورَدُ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِعَدَمِ تَحَمُّلِهِ جَهَالَةَ هَذِهِ الْآجَالِ وَيُجَابُ بِمَا ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ (لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>