وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَالثَّانِيَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ، بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْعَبْدِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَمَا حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الشَّفِيعِ.
وَ) أَيْضًا (الْأَوَّلُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَلَا يُعَارِضُهُ)؛ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْبَيْعَ الثَّانِيَ (حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ) أَيْ الْبَائِعِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ مَعَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَإِلَّا كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَاقَضَةِ، قِيلَ عَلَيْهِ فَعَدَمُ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ فِي بَيْعِ نَفْسِهِ حِينَئِذٍ أَوْلَى.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفِهِ لَمْ يَكُنْ بِاسْتِرْدَادِهِ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَائِنَ مِنْ جِهَتِهِ تَسْلِيطٌ عَلَى الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ بِأَنْ يَفْعَلَ الْمُسَلَّطُ، وَهَذَا التَّسْلِيطُ نَفْسُهُ مَعْصِيَةٌ فَجُعِلَ لَهُ رَحْمَةً عَلَيْهِ أَنْ يُتَدَارَكَ بِالتَّوْبَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِفِعْلِ الْمُسَلَّطِ، فَإِذَا لَمْ يُتَدَارَكْ حَتَّى فَعَلَ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ عَبْدٍ فَقَدْ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُكْنَةَ بِتَقْصِيرِهِ، وَحَقِيقَةُ الْحَالِ أَنَّ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ إلَّا لِتَدَارُكِ رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ، وَمَتَى أَخَّرَ حَتَّى تَعَلَّقَ حَقُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُوصَى لَهُ فَقَدْ فَوَّتَهُ.
أَمَّا الْوَارِثُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِخَلَاصِ مَيِّتِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ مَا أَمْكَنَ فَشُرِعَ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ لِذَلِكَ. وَهَذَا (بِخِلَافِ صَرْفِ الْمُشْتَرِي فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ) بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الشَّفِيعِ، وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَيَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute