وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ (وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ ﵊ فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ
لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَالْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ) وَالنَّهْيَ لِلْمُجَاوَرَةِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بِخِلَافِهِ لِوَصْفٍ لَازِمٍ (فَشَابَهُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَامِ) عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُ الْأَمْرِ بِالْإِدْرَاكِ وَالِارْتِجَاعِ عَلَى طَلَبِ الْإِقَالَةِ مَعَ ظُهُورِ أَنْ يُقِيلَهُ رَغْبَةً فِي ثَوَابِ الْإِقَالَةِ أَوْ أَنْ يَبِيعَ الْأَخُ لِآخَرَ مِنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ مَنْعِ التَّفْرِيقِ إنَّمَا تَمْتَدُّ إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْحَيْضِ. وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا فِي الْمَبْسُوطِ عَنْهُ ﷺ «لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَالتَّفْرِيقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ» وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ ﵊ «لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، فَقِيلَ إلَى مَتَى؟ فَقَالَ: إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ» رَفَعَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَفِي أَظْهَرْ قَوْلَيْهِ إلَى زَمَانِ التَّمْيِيزِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ بِالتَّقْرِيبِ، وَإِلَى زَمَانِ سُقُوطِ الْأَسْنَانِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَخَطَّأَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، وَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَسَبَبُهُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: كَذَّابٌ، وَقِيلَ رَمَاهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الْبُلُوغِ حُكْمٌ ثَابِتٌ شَرْعًا، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا رَاهَقَا وَرَضِيَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمَا، وَرُبَّمَا يَرَيَانِ الْمُصْلِحَةَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ) لِيَثْبُتَ فِيهِ الْمَنْعُ إلْحَاقًا بِالدَّلَالَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ (وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ ﷺ فَرَّقَ بَيْنَ مَارِيَةَ وَسِيرِينَ») بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ.
قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ أَنْ غَلَّطَهُ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ ذَكَرَهَا، لَكِنْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَدَلَّهُمْ بْنِ دَهْثَمٍ انْتَهَى وَبَشِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ الْقِبْطِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَارِيَتَيْنِ وَبَغْلَةً كَانَ يَرْكَبُهَا، فَأَمَّا إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ فَتَسَرَّاهَا فَوَلَدَتْ لَهُ إبْرَاهِيمَ ﵇ وَهِيَ مَارِيَةُ أُمُّ إبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَهِيَ أُمُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ»
وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ آخَرَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مُرْسَلًا «أَنَّهُ ﷺ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقِسِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كِسْوَةً وَبَغْلَةً مَسْرُوجَةً وَجَارِيَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أُمُّ إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا ﵊ لِجُهَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدِيِّ وَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جُهَيْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ» وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ إلَى حَاطِبٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute