وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ، فَيُعَلَّلُ بِعِلَّةٍ تُنَاسِبُ إظْهَارَ الْخَطَرِ وَالْعِزَّةِ وَهُوَ الطَّعْمُ لِبَقَاءِ الْإِنْسَانِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْمَصَالِحِ بِهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ.
وَلَنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْبَيْعِ، إذْ هُوَ يُنْبِئُ عَنْ التَّقَابُلِ وَذَلِكَ بِالتَّمَاثُلِ،
الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، فَكُلُّ مَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ فَهُوَ رِبًا وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّهُ ﷺ خَصَّ الْبُرَّ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ لِيُفِيدَ بِكُلِّ مَعْنًى ظَاهِرًا فِيهِ، فَنَبَّهَ بِالْبُرِّ عَلَى مُقْتَاتٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَتَقُومُ الْأَبْدَانُ بِهِ، وَالشَّعِيرُ يُشَارِكُهُ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَفًا وَقُوتًا لِبَعْضِ النَّاسِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ فَيَلْحَقُ بِهِ الذُّرَةُ وَنَحْوُهَا، وَنَبَّهَ بِالتَّمْرِ عَلَى كُلِّ حَلَاوَةٍ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالزَّبِيبِ، وَبِالْمِلْحِ عَلَى أَنَّ مَا أَصْلَحَ الْمُقْتَاتَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ فَهُوَ فِي حُكْمِهَا فَيُلْحَقُ الْأَبَازِيرُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مُعَلَّلَانِ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ عِنْدَهُمْ وَهِيَ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْأَشْيَاءِ وَأُصُولَ الْأَثْمَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: الْعِلَّةُ الطُّعْمُ مَعَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَفِي الْجَدِيدِ: هِيَ الطُّعْمُ فَقَطْ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي النَّقْدَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا عَيْنَهُمَا وَالتَّعَدِّي إلَى الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَجْهٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا رِبًا فِيهَا لِانْتِفَاءِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطُ عَمَلِ الْعِلَّةِ وَعَنْ هَذَا لَمْ يُجْعَلْ الْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ نَسَاءً. وَعَلَى الْجَدِيدِ يَحْرُمُ الرِّبَا فِي الْمَاءِ، وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْلُهُ: ﷺ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالطَّعَامُ مُشْتَقٌّ مِنْ الطُّعْمِ فَكَانَ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً، وَرُوِيَ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ» إلَى آخِرِهِ. فَأَفَادَ أَنَّ الْحُرْمَةَ أَصْلٌ وَالْمُسَاوَاةَ مُخَلِّصٌ مِنْهَا، إذْ لَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ " لَا تَبِيعُوا " لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُطْلَقًا، فَمَا لَمْ تَثْبُتْ الْمُسَاوَاةُ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ فَامْتَنَعَ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْقَدْرِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ هَذَا النَّصِّ، إذَا يَجُوزُ الْحَفْنَةُ بِالْحَفْنَتَيْنِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ يُفِيدُ أَنَّهَا عِلَّةٌ مَنْصُوصَةٌ، وَلَوْ أَخَذْنَا فِي اسْتِنْبَاطِ عِلَّتِهِ أَدَّانَا إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَيْضًا.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى شَرْطَيْ التَّقَابُضِ وَالتَّمَاثُلِ وَهَذَا الِاشْتِرَاطُ (يُشْعِرُ بِالْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ كَاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ) فَوَجَبَ تَعْلِيلُهُ بِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْعِزَّةَ وَالْخَطَرَ، وَفِي الطُّعْمِ ذَلِكَ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ النُّفُوسِ بِهِ وَالثَّمَنِيَّةُ الَّتِي بِهَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ الْعُرُوضِ الَّتِي بِهَا حُصُولُ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ بَقَاءِ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُصُولِ الشَّهَوَاتِ (وَلَا أَثَرَ لِلْجِنْسِيَّةِ) وَالْقَدْرِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي إظْهَارِ الْعِزَّةِ وَالْخَطَرِ (فَجَعَلْنَاهُ شَرْطًا، وَالْحُكْمُ قَدْ يَدُورُ مَعَ الشَّرْطِ) كَالرَّجْمِ مَعَ الْإِحْصَانِ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ النَّصُّ الْمَشْهُورُ (أَوْجَبَ التَّمَاثُلَ شَرْطًا لِلْبَيْعِ) وَإِيجَابُ الْمُمَاثَلَةِ (هُوَ الْمَقْصُودُ بِسَوْقِ الْحَدِيثِ) إذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارِ لَفْظِ بِيعُوا حَيْثُ انْتَصَبَ مِثْلًا: أَيْ بِيعُوا هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِثْلًا بِمِثْلٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute