للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْخُلْعِ وَالْمُكَاتَبِ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ.

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ) مَعْنَاهُ حَقًّا مَجْهُولًا (فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ دَعْوَايَ فِي هَذَا الْبَاقِي.

قَالَ (وَإِنْ ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّ التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَةِ الْمُبْدَلِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

ثُمَّ يَعْلَمُهُ فَيَدَّعِيهِ، وَالتَّنَاقُضُ فِي دَعْوَى مَا فِيهِ خَفَاءٌ يُعْذَرُ فِيهِ (وَصَارَ كَالْمُخْتَلِعَةِ تُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى تَطْلِيقِ) الزَّوْجِ إيَّاهَا (ثَلَاثًا قَبْلَ اخْتِلَاعِهَا) تُقْبَلُ (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ يُقِيمُهَا عَلَى الْإِعْتَاقِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ) تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ اتِّفَاقَهُمَا عَلَى سُؤَالِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إقْرَارٌ بِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَالرِّقِّ وَلَمْ يَضُرَّهُمَا التَّنَاقُضُ لِلْخَفَاءِ فَتَرْجِعُ الْمَرْأَةُ وَالْمُكَاتَبُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَالِ الْكِتَابَةِ.

وَذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَةَ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهِيَ أَصْلٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ.

وَهِيَ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ قَمِيصًا وَخَاطَهُ ثُمَّ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ فَقَالَ هَذَا الْقَمِيصُ لِي وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَالْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِالْقَطْعِ وَالْخِيَاطَةِ كَمَنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ يَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الثَّوْبُ إلَى الضَّامِنِ، فَالْأَصْلُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْكَائِنِ مِنْ الْأَصْلِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا صَارَ إلَى حَالٍ لَوْ كَانَ غَصْبًا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنُ الْكَذِبِ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُنْذُ شَهْرَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرٍ يُقْضَى بِهَا لَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَعُرِفَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِاسْمِ الْقَمِيصِ، وَلَوْ كَانَ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ.

وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ إذَا اشْتَرَى حِنْطَةً وَطَحَنَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الدَّقِيقُ؛ وَلَوْ قَالَ كَانَتْ قَبْلَ الطَّحْنِ لِي يَرْجِعُ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى لَحْمًا فَشَوَاهُ.

وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الرَّأْسَ وَالْأَطْرَافَ وَاللَّحْمَ وَالْجِلْدَ لَهُ فَقُضِيَ بِهَا رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذَا اسْتِحْقَاقُ عَيْنِ الشَّاةِ

(قَوْلُهُ حَقًّا فِي دَارٍ) أَيْ مَجْهُولًا فَصَالَحَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَاسْتُحِقَّتْ (الدَّارُ إلَّا ذِرَاعًا لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الَّذِي صَالَحَهُ (بِشَيْءٍ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقُول مُرَادِي مِنْ الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَيْته أَوْ الْحَقِّ الَّذِي أَدَّعِيهِ هَذَا الْبَاقِي (وَلَوْ) كَانَ (ادَّعَاهَا كُلَّهَا فَصَالَحَهُ فَاسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِسَابِهِ، لِأَنَّ التَّوْفِيقَ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ عِنْدَ فَوَاتِ سَلَامَتِهِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى) أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ) لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ عِنْدَنَا (لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا يَسْقُطُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ)، وَالْآخَرُ أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ لِأَنَّ دَعْوَى الْحَقِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِجَهَالَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلِذَا لَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لَا تُقْبَلُ، أَمَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>