للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ وَقَدْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ، إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْمَالِكِ مَعَ تَخْيِيرِهِ، بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ حَيْثُ يَكْفِي مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْعَاقِدِ لِصَوْنِ كَلَامِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْمُشْتَرِي فَثَبَتَ لِلْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، كَيْفَ وَإِنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَأْذَنُ فِي التَّصَرُّفِ النَّافِعِ،

الْمُسْتَغْرِقِ وَبِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاقِيًا حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَهَذَا أَصْلٌ لِقِيَاسٍ صَحِيحٍ.

لَا يُقَال: فَإِذَا ثَبَتَ الْإِذْنُ دَلَالَةً يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ الْعَقْدُ. لِأَنَّا نَقُولُ: الثَّابِتُ دَلَالَةً مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ الِانْعِقَادُ مَوْقُوفًا عَلَى رَأْيِ الْمَالِكِ فَثَبَتَ بِهَذَا الْقَدْرِ.

فَأَمَّا نَفَاذُهُ بِلَا رَأْيِهِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِهِ، إذْ قَدْ لَا يُرِيدُ بَيْعَهُ فَيَثْبُتُ، بِخِلَافِ بَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، فَإِنَّ الطَّيْرَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ أَصْلًا قَبْلَهُ وَمَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَبَيْعُ الْآبِقِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا وَهُوَ عِنْدَنَا مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَعَدَمُ تَوَقُّفِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَلَوْ بِمَالٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ كَالْمَجْنُونِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا إذْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ شُرِعَ لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ أَوْ إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ لِعَدَمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْمِلْكُ.

قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَرْتِيبِهِ فِي الْحَالِ عَدَمُهُ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَرْجُوٌّ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ، وَكَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْعَقْدِ مَرْجُوًّا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ. وَعَنْ هَذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ، وَإِلَّا فَلَا وُقُوعَ فِي الْحَالِ وَلَا يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ يُرْجَى صَحَّ وَانْعَقَدَ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُضَافًا أَوْ عِنْدَ الشَّرْطِ كَقَوْلِنَا هَذَا.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (تَصَرُّفُ تَمْلِيكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ كَحَرَكَةِ الْإِعْرَابِ، وَالْإِضَافَةِ فِي مِثْلِهِ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ تَصَرُّفٌ هُوَ تَمْلِيكٌ وَحَرَكَةٌ هِيَ إعْرَابٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ هُنَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَنَا إذَا صَدَرَتْ، وَلِلتَّصَرُّفِ مُجِيزٌ: أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ سَوَاءٌ كَانَ تَمْلِيكًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ أَوْ إسْقَاطًا، حَتَّى لَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَجَازَ طَلُقَتْ وَانْعَقَدَ، وَكَذَا سَائِرُ الْإِسْقَاطَاتِ لِلدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْفُضُولِيِّ بِالشِّرَاءِ فَفِي شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَطَرِيقُهُ الْخِلَافُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْ هَذَا لِفُلَانٍ فَقَالَ الْمَالِكُ بِعْت فَقَالَ الْفُضُولِيُّ قَبِلْت لِأَجْلِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، أَمَّا إذَا قَالَ الْفُضُولِيُّ اشْتَرَيْت هَذَا لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ بِعْت أَوْ قَالَ الْمَالِكُ ابْتِدَاءً بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ لِأَجْلِ فُلَانٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت نَفَذَ عَلَى الْفُضُولِيِّ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إجَازَة فُلَانٍ لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إيقَافِهِ إلَى رِضَا الْغَيْرِ.

وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ فُلَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>