للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَالْقِيَاسُ وَإِنْ كَانَ يَأْبَاهُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَاهُ. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ إذْ الْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ.

قَالَ (وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ) لِقَوْلِهِ «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»

بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ الْآيَةُ، وَعَنْهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَزَّاهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمُصَنِّفِينَ إلَى الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ فِي صَحِيحِهِ لِأَبِي حِسَانَ الْأَعْرَجِ وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ، وَالْمُصَنِّفُ قَدْ ذَكَرَ لَفْظَ الْحَدِيثِ: أُحِلَّ السَّلَفُ الْمَضْمُونُ، فَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الْمُرَادُ بِالْمَضْمُونِ الْمُؤَجَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: السَّلَفُ الْمُؤَجَّلُ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ صِفَةٌ مُقَرِّرَةٌ لَا مُؤَسِّسَةٌ، وَيَكُونُ مَا رَوَى الْمُخْرِجُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ قَوْلِهِ الْمَضْمُونُ إلَى أَجَلٍ جَمْعًا بَيْنَ مُقَرَّرَيْنِ.

وَقَوْلُهُ مُسَمًّى أَيْ مُعَيَّنٌ (وَ) كَذَا (بِالسُّنَّةِ) إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ غَرَابَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُثِرَ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ. قِيلَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْهُ «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ»، إلَى أَنْ قَالَ: «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَتَقَدَّمَ.

وَالرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ رَوَاهُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَدِمَ النَّبِيُّ وَالنَّاسُ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ. فَقَالَ: مَنْ أَسَلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسَلِّفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «إنَّا كُنَّا لَنُسَلِّفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بِكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ».

وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ هُوَ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لِلْحَاجَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرْبَاحِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَهُوَ بِالسَّلَمِ أَسْهَلُ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ نَازِلًا عَنْ الْقِيمَةِ فَيُرْبِحُهُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْحَالِ إلَى السَّلَمِ وَقُدْرَةٌ فِي الْمَآلِ عَلَى الْمَبِيعِ بِسُهُولَةٍ فَتَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ الْحَالِيَّةِ إلَى قُدْرَتِهِ الْمَالِيَّةِ فَلِهَذِهِ الْمَصَالِحُ شُرِعَ. وَمَنَعَ بَعْضُ مَنْ نَقَدَ الْهِدَايَةِ.

قَوْلُهُمْ السَّلَمُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، قَالَ: بَلْ هُوَ عَلَى وَفْقِهِ فَإِنَّهُ كَالِابْتِيَاعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ مُؤَجَّلًا فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ الْآخِرِ، بَلْ هُوَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ وَمَصْلَحَةِ النَّاسِ.

قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَتَلَا الْآيَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>