للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُمَا أَثْمَانٌ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِمَا ثُمَّ قِيلَ يَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدِينَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّصْحِيحَ إنَّمَا يَجِبُ فِي مَحِلٍّ أَوْجَبَا الْعَقْدَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ انْدَفَعَ فِيهِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ قِيَاسَ السَّلَمِ عَلَى الِابْتِيَاعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَصَحُّ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَيْعِ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ عَادَةً مَعَ الْحُلُولِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَأَطَالَ كَلَامًا وَحَاصِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْقَوْمَ قَاسُوا السَّلَمَ عَلَى بَيْعِ الْمَعْدُومِ فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ قِيَاسَهُ عَلَى الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ أَوْلَى بِهِ، وَلَيْسَ كَلَامُهُمْ هَذَا بَلْ إنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْأَصْلِيِّ فِيهِ، وَكَوْنُهُ مَعْدُومًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ عَادَةً لَيْسَ هُوَ مُعْتَبَرًا فِي مَفْهُومِ السَّلَمِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُوَ زِيَادَةٌ مِنْ عِنْدِهِ.

وَقَوْلُهُ أَيُّ فَرْقٍ إلَى آخِرِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَكَلَامُهُ يُفِيدُ الِاعْتِرَافَ بِكَوْنِ بَيْعِ الْمَعْدُومِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

ثُمَّ الْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْمَحِلِّ لِوُرُودِهِ فَانْعِدَامُهُ يُوجِبُ انْعِدَامَ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ الْبَيْعُ شَرْعًا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الذِّمَّةِ وَصْفٌ يُطَابِقُهُ الثَّمَنُ لَا عَيْنُ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ رَآهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَكَوْنُهُ فِيهِ مَصْلَحَةِ النَّاسِ لَا يَنْفِي أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بَلْ لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ شُرِعَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْزُونَاتِ) أَيْ الَّتِي يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا (غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) أَمَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَسْلَمَ غَيْرَهَا مِنْ الْعُرُوضِ كَكُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ ثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَلَا يَصِحُّ سَلَمًا بِالِاتِّفَاقِ، لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا وَالنُّقُودُ أَثْمَانٌ فَلَا تَكُونُ مُسَلَّمًا فِيهَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فَهَلْ يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْكُرِّ وَالثَّوْبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ يَبْطُلُ رَأْسًا؟ حَكَى الْمُصَنِّفُ فِيهِ خِلَافًا (قِيلَ يَبْطُلُ) وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ (وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ) وَلَا يَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ أَصَحُّ لِأَنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي أَوْجَبَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْبَيْعَ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ وَهُمَا لَمْ يُوجِبَاهُ إلَّا فِي الدَّرَاهِم، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِهَا بَلْ بِاعْتِبَارِ الثَّوْبِ وَلَمْ يُوجِبَاهُ فِيهِ فَكَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدِي أُدْخِلَ فِي الْفِقْهِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْمَعْنَى الصَّادِرِ بَيْنَهُمَا إعْطَاءُ صَاحِبِ الثَّوْبِ بِرِضَاهُ ثَوْبَهُ إلَى الْآخِرِ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ، وَهَذَا مِنْ إفْرَادِ الْبَيْعِ بِلَا تَأْوِيلِ إذْ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي، وَكَوْنُهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى الثَّوْبِ لَا يَقْدَحُ فِي أَنَّ الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا هُوَ هَذَا الْمَعْنَى وَفِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِمَا، وَإِدْخَال الْبَاءِ عَلَى الثَّوْبِ كَإِدْخَالِهَا عَلَى الثَّوْبِ الْمُقَابَلِ بِالْخَمْرِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى خَمْرًا بِثَوْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بَلْ يَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْخَمْرُ وَهُوَ مُبْطِلٌ اعْتِبَارًا لِتَحْصِيلِ غَرَضِهِمَا مَا أَمْكَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>