(وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَحِلِّ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ فَسَخَ السَّلَمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ) لِأَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَالْعَجْزُ الطَّارِئُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَصَارَ كَإِبَاقِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
شَيْئًا؟ قَالَ لَا، قَالَ: بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ، اُرْدُدْ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ وَلَا تُسْلِمُوا فِي نَخْلٍ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ»
وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَوَّلًا يَصْدُقُ عَلَى السَّلَمِ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الصَّلَاحِ أَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَفِيهِ مَجْهُولٌ كَمَا رَأَيْتَ، وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ أَنَّهُ ﷺ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» فَيَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِلنَّهْيِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ» وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ» فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ هَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ الْكَبِيرِينَ فِي الْعِلْمِ وَالتَّتَبُّعِ أَنَّهُمَا فَهِمَا مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ بَيْعَ السَّلَمِ، فَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ فَلَزِمَ اشْتِرَاطُ وُجُودِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ.
وَأَمَّا لُزُومُ وُجُودِهِ بَيْنَهُمَا فَإِمَّا لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ لِأَنَّ الثَّابِتَ قَائِلَانِ: قَائِلٌ بِاشْتِرَاطِهِ عِنْد الْمَحِلِّ فَقَطْ، وَقَائِلٌ عِنْدَهُمَا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا، فَالْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهِ عِنْدَهُمَا لَا غَيْرُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ، وَنَقُولُ ذَلِكَ بِتَعْلِيلِ النَّصِّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْأَدَاءَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فَلَا يَضْطَرُّ إلَيْهِ عِنْدَهُ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ وَبِالِاسْتِمْرَارِ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّحْصِيلِ، فَإِنْ أَخْذَ السَّلَمِ مَظِنَّةُ الْعَدَمِ وَبِالْأَخْذِ بِذَلِكَ مَظِنَّةُ التَّحْصِيلِ شَيْئًا فَشَيْئًا فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَبِاعْتِبَارِ الظِّنَّةِ تُنَاطُ الْأَحْكَامُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَوْنِ بَعْضِ مَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ قَدْ يُحَصِّلُهُ دَفْعَةً عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَالذَّرَاعِ وَأَهْلُ النَّخْلِ، فَإِنَّ مَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يُحْصَى وَأَكْثَرُهُمْ يُحَصِّلُ الْمُسْلَمَ فِيهِ بِدَفَعَاتٍ، أَرَأَيْتَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فِي الْجُلُودِ أَيَذْبَحُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَلْفَ رَأْسٍ لِيُعْطِيَ جُلُودَهَا لِرَبِّ السَّلَمِ، وَكَذَا الْأَسْمَاكُ الْمَالِحَةُ وَالثِّيَابُ وَالْأَخْشَابُ وَالْأَحْطَابُ وَالْأَعْسَالُ.
وَالْمُشَاهَدُ فِي بَعْضٍ مَنْ لَهُ نَخْلٌ أَوْ زَيْتُونٌ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَحَصَّلُ لَهُ لِيُعْطِيَ مَا يَخْرُجُ لَهُ وَيَشْتَرِي الْبَاقِيَ، وَكَثِيرٌ يَأْخُذُونَ لِيَسْتَرِيحُوا فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيُنْفِقُوا مِنْ فَضْلِ الْكَسْبِ عَلَى عِيَالِهِمْ وَيُحَصِّلُوا الْمُسْلَمَ فِيهِ قَلِيلًا قَلِيلًا، لِأَنَّ وَضْعَ الْمُسْلِمِ شَرْعًا لِاعْتِبَارِ ظَنِّ مَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ هُوَ السَّبَبُ فِي اشْتِرَاطِ الشَّرْعِ وُجُودَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ الِانْقِطَاعُ الَّذِي يُفْسِدُ الْعَقْدَانِ لَا يُوجَدُ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ.
ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ الثَّلْجِيُّ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ. وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي اللَّيْثِ: لَوْ انْقَطَعَ فِي إقْلِيمٍ دُونَ إقْلِيمِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْإِقْلِيمِ الَّذِي لَا يُوجَدُ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَيَعْجَزُ عَنْ التَّسْلِيمِ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي الرُّطَبِ بِبُخَارَى لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِسِجِسْتَانَ
(وَلَوْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَحِلِّ) أَيْ حُلُولُ الْأَجَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ (لَكِنْ رَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ) وَقَالَ زُفَرُ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْكَرْخِيِّ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ لَا يَبْقَى عِنْدَ فَوَاتِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَكَذَا هُنَا.
وَلَنَا (أَنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ) ثُمَّ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِعَارِضٍ (عَنْ شَرَكِ الزَّوَالِ) فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي (كَمَا لَوْ أَبِقَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute