قَالَ (وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ (وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا) لِلتَّفَاوُتِ. قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي زَمَانِ الشِّتَاءِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَزْنًا لَا عَدَدًا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي لَحْمِ الْكِبَارِ مِنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُقَطَّعُ اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
عَلَيْهِ هُنَا دَيْنٌ وَمَحِلُّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِبَقَاءِ مَحِلِّهِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ إذَا كَانَ وُجُودُهُ مَرْجُوًّا، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ بِهَلَاكِهِ يَفُوتُ مَحِلُّ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْفُلُوسُ إذَا كَسَدَتْ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ لَكِنْ الثَّمَنُ الْكَائِنُ فِيهَا فُلُوسٌ هِيَ أَثْمَانٌ وَلَا وُجُودَ لَهَا بَعْدَ الْكَسَادِ فَيَفُوتُ الْمَحِلُّ، ثُمَّ هُوَ لَيْسَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بَلْ الظَّاهِرُ اسْتِمْرَارُهُ فِي الْوُجُودِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ أَوَانًا مَعْلُومًا، وَكَذَا لِغَيْرِهَا أَوَانٌ يَكْثُرُ وُجُودُهَا فِيهِ مِنْ السَّنَةِ بِرُخَصٍ
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَضَرْبًا مَعْلُومًا) بِأَنْ يَقُولَ بُورِيٌّ أَوْ رَايٌ، وَفِي أَسْمَاكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة الشَّفْشُ وَالدُّونِيسُ وَغَيْرُهَا (لِأَنَّهُ) حِينَئِذٍ (مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الصِّفَةِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ) فِي التُّحْفَةِ: وَأَمَّا الصِّغَارُ فَيَجُوزُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا سَوَاءٌ فِيهِ الطَّرِيُّ وَالْمَالِحُ. وَفِي الْمُغْرِبِ: سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَهُوَ الْمُقَدِّدُ الَّذِي فِيهِ الْمِلْحُ، وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ.
قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: لَكِنْ قَالَ الشَّاعِرُ:
بَصَرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيًّا … أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا
ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَكَفَى بِذَلِكَ حُجَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَدِيءٍ وَلَمْ يَجِدْ سِوَى هَذَا الْبَيْتِ وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَ الْمَغْرِبِ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ، وَلَيْسَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فَائِدَةٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ مِلْحٌ وَمَلِيحٌ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الرَّاجِزِ
أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا
ذَاكَ مُوَلَّدٌ لَا يُؤْخَذُ بِلُغَتِهِ.
وَأَمَّا الطَّرِيُّ فَيَجُوزُ حِينَ وُجُودِهِ وَزْنًا أَيْضًا، فَإِذَا كَانَ يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ كَمَا قِيلَ إنَّهُ يَنْقَطِعُ فِي الشِّتَاءِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الشِّتَاءِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ فِي الصَّيْفِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى الْأَجَلِ لَا يَبْلُغُ الشِّتَاءَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ: لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ