للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ . وَقَالَا: إذَا وَصَفَ مِنْ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ. وَيَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ، بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ. وَلَهُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ لِلتَّفَاوُتِ فِي قِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ أَوْ فِي سِمَنِهِ وَهُزَالِهِ عَلَى اخْتِلَافِ فُصُولِ السَّنَةِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ. وَفِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ لَا يَجُوزُ عَلَى

فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ إلَّا فِي حِينِهِ: يَعْنِي أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ مَعَ شُرُوطِهِ فِي حِينِهِ كَيْ لَا يَنْقَطِعُ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْحُلُولِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ جَازَ مُطْلَقًا وَزْنًا لَا عَدَدًا لَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تُقَطَّعُ كَمَا يُقَطَّعُ اللَّحْمُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي لَحْمِهَا اعْتِبَارًا بِالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَنْعُ السَّلَمِ فِي الْكِبَارِ وَزْنًا مَعَ إجَازَتِهِ فِي اللَّحْمِ فَإِنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ إعْلَامُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ الْجَنْبِ أَوْ الظَّهْرِ أَوْ الْفَخِذِ وَلَا يَتَأَتَّى فِي السَّمَكِ ذَلِكَ.

وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ فِي حِينِهِ لِأَنَّ الِاصْطِيَادَ يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ حِينٍ مَدْفُوعِ، فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ عَدَمُ الْوُجُودِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَفِي بَعْضِ السَّنَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمُ الِاصْطِيَادِ لِيَرُدَّ مَا ذَكَرَهُ

(قَوْلُهُ وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَأْكِيدٌ فِي نَفْيِ الْجَوَازِ كَقَوْلِهِ لَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ يَقُولُهُ فِيمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ تَحَرُّزًا عَنْ الْقَطْعِ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّأْيِ بَعِيدٌ. فَكُلُّ الْأَحْكَامِ الْقِيَاسِيَّةِ الْمَظْنُونَةِ مُعَبَّرٌ عَنْهَا فِي الْفِقْهِ بِلَا يَجُوزُ كَذَا أَوْ يَجُوزُ كَذَا. وَكُلُّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا مَظْنُونَاتٌ لَا مَقْطُوعَاتٌ، وَأَيْضًا الْمُجْتَهِدُ قَاطِعٌ بِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ (وَقَالَا: إذَا وَصَفَ مِنْ اللَّحْمِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا بِصِفَةٍ) كَكَوْنِهِ ذَكَرًا وَخَصِيًّا وَسَمِينًا بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ جِنْسَهُ مِنْ نَحْوِ الضَّأْنِ وَسِنَّهُ ثَنِيٌّ وَمِنْ الْفَخِذِ الْكَتِفِ أَوْ الْجَنْبِ مِائَةُ رِطْلٍ.

وَفِي الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ. وَقَدْ قِيلَ لَا خِلَافَ، فَمَنَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَا السَّلَمَ فِي اللَّحْمِ وَقَوْلُهُمَا إذَا بَيَّنَّا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَوْزُونٌ فِي عَادَةِ النَّاسِ مَضْبُوطٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَصْفِ.

وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِهِ مَوْزُونًا وَكَذَا كَوْنُهُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ جَائِزُ الِاسْتِقْرَاضِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ قَاطِعٌ فِيهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْعَظْمِ غَيْرُ مَانِعٍ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّى مَوْضِعًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِيهِ عَظْمٌ كَانَ تَرَاضِيًا عَلَى قَطْعِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْعَظْمِ، وَلِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ وَلِذَا جَازَ السَّلَمُ فِي الْأَلِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ عَظْمٍ وَالسَّلَمِ فِيهَا وَفِي الشَّحْمِ بِالْإِجْمَاعِ (بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَوْضِعٍ مِنْهُ) لِأَنَّ عُضْوَ الطَّيْرِ صَغِيرٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي مَنْعِهِ مُطْلَقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>