للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالتَّضْمِينُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ.

وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَالْمِثْلُ أَعْدَلُ مِنْ الْقِيمَةِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ يُعَايَنُ فَيُعْرَفُ مِثْلَ الْمَقْبُوضِ بِهِ فِي وَقْتِهِ، أَمَّا الْوَصْفُ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ.

وَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يُصْطَادُ مِنْ الطُّيُورِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَلَا فِي لَحْمِهِ.

وَمَا صِيدَ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ يَجُوزُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْعَظْمِ لَا يَعْتَبِرُهُ النَّاسُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْمَلُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ. فَإِنَّ الْعِلَّةَ حِينَئِذٍ ثَابِتَةٌ. ثُمَّ يَجِبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ لَحْمِ الدَّجَاجِ مَثَلًا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَوْضِعَ بَعْدَ كَوْنِهِ بِعَظْمٍ.

فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُحِبُّ الصَّدْرَ مِنْهَا فَيَقُولُ أَوْرَاكًا أَوْ غَيْرِ الصَّدْرِ أَوْ يَنُصُّ عَلَى صَدْرِهَا وَأَوْرَاكِهَا، فَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ مِنْ لَحْمِ الدَّجَاجِ السَّمِينِ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزُ لِلْمُنَازَعَةِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرْنَا لِاخْتِلَافِ أَغْرَاضِ النَّاسِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقَعُ سَلَمًا فِي الْمَجْهُولِ لِتَفَاوُتِ اللَّحْمِ بِقِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتُهُ، بِخِلَافِ لَحْمِ السَّمَكِ فَإِنَّ مَضْمُونَهُ مِنْ الْعَظْمِ قَلِيلٌ مَعْلُومٌ إهْدَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ. وَلِذَا هُوَ فَرْقٌ بَيْنَ لَحْمِ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُمَا إذَا سَمَّى مَوْضِعًا كَانَ تَرَاضِيًا عَلَى قَطْعِهِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْعَظْمِ.

قُلْتُ: لِلْمُشَاهَدِ فِي بَيْعِ اللَّحْمِ حَالًا بِعَظْمِهِ جَرَيَانُ الْمُعَاكَسَةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَظْمِ، حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِي يَسْتَكْثِرُهُ فَيَأْمُرُهُ بِنَزْعِ بَعْضِهِ وَالْجَزَّارُ يَدُسُّهُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْمُسْتَأْخَرِ التَّسْلِيمُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْفُصُولِ سِمَنًا وَهُزَالًا، فَلَوْ سَمَّى السَّمِينَ قَدْ يَكُونُ انْتِهَاءُ الْأَجَلِ فِي فَصْلِ الْهُزَالِ. وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي الْمُنْقَطِعِ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ فِي مَخْلُوعِ الْعَظْمِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْهُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ يَثْبُتُ مَعَ إحْدَاهُمَا كَمَا يَثْبُتُ مَعَهُمَا. وَقَوْلُهُمَا يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ مَمْنُوعٌ بِمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِيمَنْ غَصَبَ لَحْمًا فَشَوَاهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ لَا يَسْقُطُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ اللَّحْمِ.

قِيلَ وَلَا تُوجَدُ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ إلَّا هُنَا مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّهُ رَأَى وَسَطَ غَصْبِ الْمُنْتَقَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا اسْتَهْلَكَ لَحْمًا قَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَحَلَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ (أَنَّ الْقَبْضَ) أَيْ قَبْضَ اللَّحْمِ الْقَرْضُ (يُعَايِنُ فَيَعْرِفُ مِثْلَهُ بِهِ) أَيْ بِالْمَقْبُوضِ. أَمَّا السَّلَمُ فَلَيْسَ فِيهِ مَقْبُوضٌ مُعَيَّنٌ بَلْ مُجَرَّدُ وَصْفٍ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الِاسْتِقْرَاضُ وَزْنًا أَيْضًا مَمْنُوعٌ بَلْ ذَاكَ مَذْهَبُهُمَا، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ أَيْ تَسْلِيمِ أَنَّ ضَمَانَ اللَّحْمِ بِالْمِثْلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْمِثْلِ إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ جَرَيَانَ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالسَّلَمِ بِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ فِي الضَّمَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَتَمَامُ الْمُعَادَلَةِ بِالْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَثَلٌ صُورَةً وَمَعْنًى.

<<  <  ج: ص:  >  >>