للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَيْثُ قَالَ «أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» وَلَوْ كَانَتْ النِّسْبَةُ إلَى قَرْيَةٍ لِبَيَانِ الصِّفَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا قَالُوا كالخشمراني بِبُخَارَى وَالْبَسَاخِيِّ بِفَرْغَانَةَ.

- بِقَوْلِهِ «أَرَأَيْتَ لَوْ ذَهَبَ ثَمَرَةُ هَذَا الْبُسْتَانِ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ») فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْبَيْعِ ثَمَنًا إنْ لَمْ يُخْرِجْ هَذَا الْبُسْتَانُ شَيْئًا فَكَانَ فِي بَيْعِ ثَمَرِ هَذَا الْبُسْتَانِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ فَلَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ صَعِيدِيَّةٍ أَوْ شَامِيَّةٍ فَإِنَّ احْتِمَالَ أَنْ لَا يَنْبُتَ فِي الْإِقْلِيمِ بِرُمَّتِهِ شَيْءٌ ضَعِيفٌ فَلَا يَبْلُغُ الْغَرَرَ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ فَيَجُوزُ، فَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ وُرُودُهُ فِي السَّلَمِ أَوْ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا.

وَالْوَاقِعُ أَنَّ مَعْنَاهُ وَرَدَّ فِي السَّلَمِ وَفِي الْبَيْعِ، أَمَّا فِي السَّلَمِ فَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ فِي الَّذِي أَسْلَمَ فِي تِلْكَ الْحَدِيقَةِ النَّخْلَ فَلَمْ يَطْلُعْ شَيْءٌ فَأَرَادَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ وَقَالَ إنَّمَا النَّخْلُ هَذِهِ السَّنَةُ، حَيْثُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ «أَخَذَ مِنْ نَخْلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ لَا، قَالَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ؟ اُرْدُدْ عَلَيْهِ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ» الْحَدِيثُ.

وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنَّ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟» فَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ السَّلَمِ وَالْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْمَبِيعِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَيُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ فَهُوَ دَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «إنْ لَمْ يُثْمِرْهَا اللَّهُ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ هَذَا؟» (فَلَوْ كَانَتْ نِسْبَةُ الثَّمَرَةِ إلَى قَرْيَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (لِبَيَانِ الصِّفَةِ) لَا لِتَعْيِينِ الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهَا بِعَيْنِهِ (كالخشمراني وَالْبَسَاخِيِّ) بِبُخَارَى وَهِيَ قَرْيَةٌ حِنْطَتُهَا جَيِّدَةٌ (بِفَرْغَانَةَ لَا بَأْسَ بِهِ) وَلِأَنَّهُ لَا يُرَادُ خُصُوصُ النَّابِتِ هُنَاكَ، بَلْ الْإِقْلِيمُ، وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ الْحِنْطَةِ هُنَاكَ لِأَنَّهُ إقْلِيمٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ مِنْ حِنْطَةِ هَرَاةَ يُرِيدُ هَرَاةَ خُرَاسَانَ وَلَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِ إقْلِيمٍ بِكَمَالِهِ، فَالسَّلَمُ فِيهِ وَفِي طَعَامِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ سَوَاءٌ، وَكَذَا فِي دِيَارِ مِصْرَ فِي قَمْحِ الصَّعِيدِ.

وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْمُجْتَبِي وَفِي غَيْرِهِ: لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ بُخَارَى أَوْ حِنْطَةِ سَمَرْقَنْدَ أَوْ إسْبِيجَابَ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ انْقِطَاعِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةِ هَرَاةَ لَا يَجُوزُ، وَفِي ثَوْبِ هَرَاةَ وَذَكَرَ شُرُوطَ السَّلَمِ يَجُوزُ لِأَنَّ حِنْطَتَهَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا إذْ الْإِضَافَةُ لِتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ فَيَحْصُلُ السَّلَمُ فِي مَوْهُومِ الِانْقِطَاعِ، بِخِلَافِ إضَافَةِ الثَّوْبِ لِأَنَّهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ لَا لِتَخْصِيصِ الْمَكَانِ، وَلِذَا لَوْ أَتَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ بِثَوْبٍ نُسِجَ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ هَرَاةَ مِنْ جِنْسِ الْهَرَوِيِّ: يَعْنِي مِنْ صِفَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ يُجْبَرُ رَبُّ السَّلَمِ عَلَى قَبُولِهِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُقْتَضِي الْعُرْفُ، فَإِنْ تُعُورِفَ كَوْنُ النِّسْبَةِ لِبَيَانِ الصِّفَةِ فَقَطْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا يُبَيِّنُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: لَوْ كَانَ ذَكَرَ النِّسْبَةَ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكَانِ كالخشمراني فَإِنَّهُ يُذْكَرُ لِبَيَانِ الْجُودَةِ لَا يَفْسُدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>