لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ (وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ) قَالَ ﵁: وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعِ.
وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ، وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِّ. وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا، قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمِصْرَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا.
كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ وَصِغَارِ اللُّؤْلُؤِ: يَعْنِي الْقَلِيلَ مِنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ يُسَلَّمُ فِي أَمْنَانٍ مِنْ الزَّعْفَرَانِ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ أَحْمَالًا، وَكَذَا الْمِسْكُ وَصِغَارُ اللُّؤْلُؤِ لَا يَشْتَرِطُ فِيهِ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَهُ فِيهِ) وَكُلَّمَا قُلْنَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَأَتَّى التَّسْلِيمُ فِيهِ وَمَا لَا بِأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ دِرْهَمًا فِي مَرْكَبٍ فِي الْبَحْرِ أَوْ جَبَلٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا مِنْهُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْبُيُوعُ) يَعْنِي مِنْ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ مِنْ أَصْلِ الْمَبْسُوطِ (يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَالْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا (لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلُّهَا سَوَاءٌ) إذْ الْمَالِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ، بَلْ بِعِزَّةِ الْوُجُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَقِلَّتِهَا، بِخِلَافِ مَالَهُ مُؤْنَةٌ فَإِنَّ الْحِنْطَةَ وَالْحَطَبَ يُوجَدُ فِي الْمِصْرِ وَالسَّوَادِ ثُمَّ يُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ بِأَكْثَرِ مِمَّا يُشْتَرَى فِي السَّوَادِ (وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا، قِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ) وَالشَّرْطُ الَّذِي لَا يُفِيدُ لَا يَجُوزُ.
(وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ (ثُمَّ لَوْ عَيَّنَا الْمِصْرَ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ يُكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِصْرِ الْوَاحِدِ عَادَةً. قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا، فَلَوْ كَانَ بَيْنَ جَوَانِبِهِ نَحْوَ فَرْسَخٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَكَان يَحْمِلُهُ إلَى مَنْزِلِهِ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَلَوْ شَرَطَ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً قِيلَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا.
وَرَوَى الْبَلْخِيّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ. وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ قِيَاسًا إذَا شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ الْحَمْلَ إلَى مَنْزِلِهِ. أَمَّا لَوْ شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَنْزِلِهِ فَيَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. وَفِي بَيْعِ الْعَيْنِ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ فِي الْمِصْرِ أَنْ يُوفِيَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَالْعَقْدُ فِي مِصْرَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جَوَانِبِ الْمِصْرِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ.
وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ وَشَرْطَ أَحَدُهُمَا التَّوْفِيَةَ إلَى مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَكَانِ كَذَا فَسَلَّمَهُ فِي غَيْرِهِ وَدَفَعَ الْكِرَاءَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ صَارَ قَابِضًا، وَلَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute