قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ فِيهِ) أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ ﵊ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا»، فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، إذْ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّعْجِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَقَلَّبَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ
أَخْذُ الْكِرَاءِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ إلَيْهِ لِيُسَلِّمَهُ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ
(قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ) بَدَنًا تَحْقِيقُهُ أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ (أَمَّا إذَا كَانَ) رَأْسُ الْمَالِ (مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ) لَوْ لَمْ يَقْبِضْ (افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَيَقَعُ بِدَفْعِ الْعَيْنِ الْمُقَاصَّةِ عَنْهُ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» أَيْ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا ﵀ يُجِيزُ التَّأْخِيرَ وَيَقُولُ: إذَا لَمْ يَشْرُطْ التَّأْجِيلَ لَا يُخَرِّجَهُ إلَى الدَّيْنِ عُرْفًا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (وَإِنْ كَانَ عَيْنًا) فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَشْتَرِطُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّ عَدَمَ تَسْلِيمِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ بَلْ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُشْتَرَطُ إعْمَالًا لِمُقْتَضَى الِاسْمِ الشَّرْعِيِّ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِسْلَافَ فِي كَذَا يُنْبِئُ عَنْ تَعْجِيلِ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْآخِرِ لِأَنَّ وَضَعَهَا فِي الْأَصْلِ لِأَخْذِ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَالشَّرْعُ قَرَّرَهُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي اُعْتُبِرَ فِيهَا لَوْ فَرَضْنَا فَرْضًا أَنَّهَا صَارَتْ إعْلَامًا فَأَصْلُ الْوَضْعِ كَافٍ بِاعْتِبَارِ مَا اعْتَبَرَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَلَزِمَ التَّعْجِيلُ (وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ لِيَتَقَلَّبَ فِيهِ الْمُسْلَمُ) إلَيْهِ إذْ الْفَرْضُ إفْلَاسُهُ وَحَاجَتُهُ إلَى الْعَقْدِ لِإِفْلَاسِهِ فَيَتَقَلَّبُ فِيهِ لِيَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إلَى الْأَجَلِ (وَ) لِهَذَا: أَيْ لِاشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ (قُلْنَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute