الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا.
فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ.
وَلَنَا أَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ. فَلَا يَشِيعُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْمُفْسِدِ، أَمَّا إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مِائَتَيْنِ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ مِائَتَيْنِ فِي كَذَا ثُمَّ جَعَلَ إحْدَاهُمَا الدَّيْنَ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إنْ أَضَافَ إلَى الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ أَسْلَمْتُ مِائَةَ الدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمِائَةُ فِي كَذَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِمَا عَدَمُ الْفَسَادِ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ قَيَّدَ بِهِ بِدَلِيلِ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ إلَّا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ عَدَمَ الدَّيْنِ فَيَفْسُدُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمَا حِينَئِذٍ هَازِلَانِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ عَقَدَا بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ عَلَى ثَالِثٍ فَإِنَّهُ يَشِيعُ الْفَسَادُ، وَلِذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الْمِائَةِ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمِائَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَيْسَتْ مَالًا فِي حَقِّهِمَا، وَحِينَ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالدَّيْنِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَسَادُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ ذَلِكَ، بَلْ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضِ تِلْكَ الْمِائَةِ، وَلِهَذَا لَوْ نَقَضَ الْمِائَةَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ السَّلَمُ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ قَوْلُهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْفَاسِدِ شَرْطًا إلَى آخِرِهِ إذْ لَمْ يَلْزَمْ الْفَسَادُ بِالْإِضَافَةِ لَفْظًا إلَى الدَّيْنِ وَكَانَ الْفَسَادُ طَارِئًا بِلَا شُبْهَةَ.
وَقَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ: إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَوْعَيْنِ نَقَدَ هَذَا وَدَيْنُ ذَاكَ فَالْكُلُّ فَسَدَ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ ذَا وَقِسْطَ ذَا وَالْبُرُّ فِي الشَّعِيرِ وَالزَّيْتُ كَذَا فَاسْتُشْكِلَتْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَقِيلَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّوْعَيْنِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ كَمَا ذَكَر فِي الْهِدَايَةِ. وَاسْتَشْكَلَهُ صَاحِبُ الْحَوَاشِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عِنْدَهُ إذَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْئَيْنِ وَفَسَدَ فِي أَحَدِهِمَا يُفْسِدُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَبُولُ الْفَاسِدِ شَرْطًا إلَى آخِرِهِ، قَالَ: إلَّا أَنَّ هَذَا فِي الْفَسَادِ الْمُقَارَنِ الَّذِي تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَا فِي الطَّارِئِ، وَهَذَا طَارِئٌ لِأَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ، أَمَّا الْعَقْدُ فِي نَفْسِهِ فَصَحِيحٌ.
وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ فِي الْمُصَفَّى بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَفْسُدَ فِي النَّقْدِ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَوْعَيْنِ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَسَادَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْرِفَةَ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ، فَإِذَا قُوبِلَ بِشَيْئَيْنِ كَانَ الِانْقِسَامُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى. وَهُوَ جَيِّدٌ مَا فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْمَنْظُومَةِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا دَيْنًا فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute