للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

قَالَ (وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ الصَّفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ، وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) أَيْ فِي مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِرَأْسِ مَال السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ. فَعِنْدَهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا شَاءَ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ بَطَلَ السَّلَمُ وَصَارَ رَأْسَ الْمَالِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَسْتَبْدِلُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.

قَالَ (وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْأَثَرِ وَالْمَعْنَى فَهُوَ اسْتِحْسَانٌ بِالْأَثَرِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ فِي كُرٍّ) وَهُوَ سِتُّونَ قَفِيزًا أَوْ أَرْبَعُونَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكُ، وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفُ (فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ قَضَاءٌ) عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاقْتَضَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ بِأَنْ اكْتَالَهُ مَرَّةً وَحَازَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضِيًا حَقَّهُ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَيُطَالِبُهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ (ثُمَّ اكْتَالَهُ) مَرَّةً أُخْرَى (لِنَفْسِهِ) صَارَ مُقْتَضِيًا مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ وَهَذَا (لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ صَاعَانِ) صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي (وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا مَرَّ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْمُرَابَحَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ.

وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا سُمِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْكُرُّ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ مُعَيِّنًا لِلْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَهَذَانِ عَقْدَانِ وَمُشْتَرِيَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ مُقْتَضَى كُلِّ عَقْدٍ عَلَيْهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّانِيَ لَوْ كَالَهُ فَزَادَ لَمْ تَطِبْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَوَجَبَ رَدُّهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَالَهُ لِنَفْسِهِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَقَبَضَهُ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ إقَامَةً لِحَقِّ الْعَقْدِ الثَّانِي وَالصَّفْقَتَانِ شِرَاءُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِنْ بَائِعِهِ الْكُرَّ وَالصَّفْقَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَصِيرُ بَائِعًا مِنْ رَبِّ السَّلَمِ مَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ عَيْنُ حَقِّهِ فَإِنَّهُ دَيْنٌ، وَهَذَا عَيْنُ قَاصَصَهُ بِهِ، وَقَدْ أَخَذُوا فِي صِحَّةِ الْأَمْرِ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ. وَعِنْدِي لَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ اقْبِضْ الْكُرَّ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ عَنْ حَقِّكَ فَذَهَبَ فَاكْتَالَهُ ثُمَّ أَعَادَ كَيْلَهُ صَارَ قَابِضًا، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ بَلْ الثَّانِي، فَلَمَّا قَالَ لَهُ اقْبِضْهُ عَنْ حَقِّكَ وَالْمُخَاطَبُ يَعْلَمُ طَرِيقَ صَيْرُورَتِهِ قَابِضًا لِنَفْسِهِ أَنْ يَكِيلَهُ مَرَّةً لِلْقَبْضِ عَنْ الْآمِرِ وَثَانِيًا لِيَصِيرَ هُوَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَافْعَلْ مَا تَصِيرُ بِهِ قَابِضًا.

وَلَفْظُ الْجَامِعِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ عَلَى قَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>