﵊ «إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحَلِّ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فَكَانَ مُنْتَفِيًا. وَلَنَا «أَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ»
لِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» وَجْهُ قَوْلِهِ مَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «إنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْحَجَّامِ مِنْ السُّحْتِ» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدَيْنِ فِيهِمَا ضَعْفٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ زَجَرَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» (وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَالنَّجَاسَةُ تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحَلِّ وَالْبَيْعُ بِرِفْعَتِهِ) فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَعَارَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا (أَنَّهُ ﷺ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ») وَهُوَ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ.
نَعَمْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ» وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ فِيهَا هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ، لَكِنْ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي سَنَدِهِ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: «أَرْخَصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» وَهَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ، فَإِنَّ الْهَيْثَمَ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مِنْ أَثْبَاتِ التَّابِعِينَ، فَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى رَأْيِهِمْ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا وَالْمُخَصِّصُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِالْعَامِّ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ عِنْدَهُمْ، حَتَّى أَجَازُوا تَخْصِيصَ الْعَامِّ الْقَاطِعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً فَبَطَلَ مُدَّعَاهُمْ مِنْ عُمُومِ مَنْعِ الْبَيْعِ، ثُمَّ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيُخْرَجُ مِنْ الْعَامِّ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَعْلِيلُ إخْرَاجِ كَلْبِ الصَّيْدِ سَاطِعٌ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، وَخُصُوصُ الِاصْطِيَادِ مُلْغًى إذْ لَا يَظْهَرُ مُوجِبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute