وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَانَ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَلْعًا لَهُمْ عَنْ الِاقْتِنَاءِ
لِذَلِكَ فَصَارَ الْكَلْبُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ خَارِجًا سَوَاءٌ اُنْتُفِعَ بِهِ فِي صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ وَخَرَجَ الْعَقُورُ.
وَمَنْ مَشَى مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ يَقُولُ: كُلُّ كَلْبٍ تَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِرَاسَةُ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْكُلِّ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ نَسْخٌ لِمُوجِبِ الْعَامِّ بِالتَّعْلِيلِ وَلَا نَسْخَ بِقِيَاسٍ. فَالْوَجْهُ أَنْ يُعَلَّلَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ بِنَفْعٍ لَا تَرْبُو عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ، وَيَدَّعِي فِي الْعَقُورِ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ تَرْبُو عَلَى مَنْفَعَةِ حِرَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ خَاصَّةٌ يَقْتَرِنُ بِهَا ضَرَرٌ عَامٌّ لِلنَّاسِ فَيَخْرُجُ مَا سِوَاهُ.
وَقَصُرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَظَرَهُ عَلَى الْحَدِيثِ فَحَكَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ ذَكَرَهُ لِنَفْيِ مَذْهَبِ الْخَصْمِ: أَعْنِي شُمُولَ الْمَنْعِ فَيَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى دَلِيلِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ إلَّا الْوَجْهَ الثَّانِيَ، وَعَلَى تَقْرِيرِنَا يَتِمُّ الْأَوَّلُ أَيْضًا.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ عَلَى عُمُومِ بَيْعِ الْكَلْبِ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلَمْ يُخَصِّصْ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوَّلًا لَا يُعْرَفُ إلَّا مَوْقُوفًا حَدَّثَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ عَنْ يُونُسَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو " أَنَّهُ قَضَى فِي كَلْبِ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ ". وَثَانِيًا هُوَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا تُوجِبُ الْعُمُومَ فِي أَنْوَاعِ الْكِلَابِ فَجَعْلُهَا دَلِيلًا عَلَى الْعُمُومِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ.
ثَانِيهمَا هُوَ قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَانَ مَالًا) يَعْنِي مَالًا مَمْلُوكًا مُتَقَوِّمًا. أَمَّا كَوْنُهُ مَالًا فَلِأَنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَنْفَعَتِهِ الْمُطْلَقَةِ شَرْعًا، وَهَذَا كَذَلِكَ فَكَانَ مَالًا، وَأَمَّا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُتَقَوِّمٌ فَلِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ مَأْذُونٌ شَرْعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute