للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا نُسَلِّمُ نَجَاسَةَ الْعَيْنِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَيَحْرُمُ التَّنَاوُلُ دُونَ الْبَيْعِ. وَقَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِهِ " إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا " وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّنَا،

فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَالتَّقَوُّمُ بِالتَّمَوُّلِ، وَكِلَاهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا إذْ قَدْ أَذِنَ الشَّرْعُ فِي اقْتِنَاءِ كَلْبِ الْمَاشِيَةِ وَالصَّيْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ بَيْعُهُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ. غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُسَلَّمَ أَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ مُتَقَوِّمٌ لَكِنْ ثَبَتَ مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْ بَيْعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَالِ. فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِادِّعَاءِ نَسْخِ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ كَانَ أَمْرًا مُحَقَّقًا فِي الْأَوَّلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ عُلِمَ نَسْخُ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ تَرْكِ قَتْلِهَا عَلَى مَا حَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: مَالِي وَلِلْكِلَابِ؟ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبٍ آخَرَ نَسِيَهُ سَعِيدٌ».

وَلِهَذَا الْمَعْنَى طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَجَبَ حَمْلُ مَا رُوِيَ مِنْ التَّشْدِيدِ فِي سُؤْرِهَا وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهَا وَبَيْعِهَا ثُمَّ التَّرْخِيصُ فِي بَيْعِ النَّوْعِ الَّذِي أَذِنَ فِي اقْتِنَائِهِ، الْأَوَّلُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِيَةِ، فَكَانَ مَنْعُ الْبَيْعِ عَلَى الْعُمُومِ مَنْسُوخًا بِإِطْلَاقِ بَيْعِ الْبَعْضِ بِالضَّرُورَةِ. وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: نَجِسُ الْعَيْنِ بِالْمَنْعِ بِدَلِيلِ إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِ. قَالَ (وَلَوْ سَلَّمَ فَنَجَاسَةُ عَيْنِهِ تُوجِبُ حُرْمَةَ أَكْلِهِ لَا مَنْعَ بَيْعِهِ) بَلْ مَنْعُ الْبَيْعِ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ شَرْعًا، وَلِهَذَا أَجَزْنَا بَيْعَ السِّرْقِينِ وَالْبَعْرِ مَعَ نَجَاسَةِ عَيْنِهِمَا لِإِطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا عِنْدَنَا، بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ لَمْ يُطْلَقْ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَمُنِعَ بَيْعُهَا، فَإِنْ ثَبَتَ شَرْعًا إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ مَخْلُوطَةً بِالتُّرَابِ وَلَوْ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَالِاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ النَّجِسِ كَمَا قِيلَ جَازَ بَيْعُ ذَلِكَ التُّرَابِ الَّتِي هِيَ فِي ضِمْنِهِ، وَبِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْخَمْرِ لِنَصٍّ خَاصٍّ فِي مَنْعِ بَيْعِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ فِيمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنْ الْعِنَبِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «إنَّ رَجُلًا أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : هَلْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ شُرْبَهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَسَارَّ إنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : بِمَ سَارَرْته؟ قَالَ: أَمَرْته بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا، قَالَ فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا».

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ عَامَ الْفَتْحِ يَقُولُ وَهُوَ بِمَكَّةَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ قَالَ: لَا هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهُ فَبَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» وَهَذَا يَتِمُّ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>