وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ. (وَهَذَا قَبْضٌ) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ (إنْ لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ بِقَبْضٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّعْيِيبِ الْحَقِيقِيِّ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي الْحَقِيقِيِّ اسْتِيلَاءً عَلَى الْمَحَلِّ وَبِهِ يَصِيرُ قَابِضًا وَلَا كَذَلِكَ الْحُكْمِيُّ فَافْتَرَقَا.
الْأَمَةِ (وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ عَلَى الْكَمَالِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مَلَكَهَا لَا عَلَى الْكَمَالِ كَمَا فِي مِلْكِ نِصْفِهَا لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ إنْكَاحُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِالْغَرَرِ دُونَ النِّكَاحِ، وَفِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ احْتِمَالُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ: أَعْنِي الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْآبِقِ لَا يَصِحُّ وَتَزْوِيجَ الْآبِقَةِ يَجُوزُ.
وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ تَعْلِيلُ النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْوَارِدُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَارِدًا فِي النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِيَثْبُتَ بِدَلَالَتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي كَانَ قَابِضًا فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْهَا الزَّوْجُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا اسْتِحْسَانًا، حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ التَّزْوِيجِ قَبْلَ الْوَطْءِ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِيرَ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀، حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَعْيِيبٌ مِنْهُ لِلْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ خِيَارُ الرَّدِّ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ، وَالْمُشْتَرِي إذَا عَيَّبَ الْمَبِيعَ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا فِعْلٌ حِسِّيٌّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالتَّزْوِيجُ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ بِمَعْنَى تَقْلِيلِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا فَكَانَ كَنُقْصَانِ السِّعْرِ لَهُ وَكَالْإِقْرَارِ مِنْهُ عَلَيْهَا بِدَيْنٍ. وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ قَابِضًا فَكَذَا مُجَرَّدُ التَّزْوِيجِ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ كَأَنْ فَقَأَ عَيْنَهَا مَثَلًا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمَحَلِّ.
وَاسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا الْإِعْتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِمَا قَابِضًا وَلَيْسَ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَى الْمَحَلِّ بِفِعْلٍ حِسِّيٍّ.
وَالْجَوَابُ إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ قَبْضًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي يَكُونُ قَبْضًا هُوَ الْفِعْلُ الْحِسِّيُّ الَّذِي يَحْصُلُ الِاسْتِيلَاءُ، وَالْقَبْضُ الْحَاصِلُ بِالْعِتْقِ ضَرُورِيٌّ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ وَمِنْ ضَرُورَةِ إنْهَاءِ الْمِلْكِ كَوْنُهُ قَابِضًا وَالتَّدْبِيرُ مِنْ وَادِيهِ لِأَنَّهُ بِهِ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لِلْمُدَبَّرِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ. هَذَا وَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَوْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَطَلَ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْتَقَضَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَقَيَّدَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَوْتِ، حَتَّى لَوْ مَاتَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute