قَالَ (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) سُمِّيَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ.
وَالصَّرْفُ هُوَ النَّقْلُ وَالرَّدُّ لُغَةً، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةَ إذْ لَا يُنْتَقَعُ بِعَيْنِهِ، وَالصَّرْفُ هُوَ الزِّيَادَةُ لُغَةً كَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا
إلَّا شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَالْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ الْقَائِلِينَ: إنَّهُ الْجَوَازُ. وَأَجَابُوا بِأَنَّ تَأَخُّرَهُ ضَرُورَةُ نَفْيِ إيجَابِ قَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ مُقَارِنًا أَوْ مُتَقَدِّمًا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا صُورَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ بِارْتِكَابِ الْقَوْلِ الْآخَرِ.
وَأَمَّا مَفْهُومُهُ شَرْعًا فَبَيْعُ مَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ لِيَدْخُلَ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ مِنْ الصَّنْعَةِ بِهِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ بَيْعِهِ صَرْفٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اصْطِلَاحًا بِهِ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ اللُّغَوِيَّ هُوَ النَّقْلُ، وَمِنْهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ: " فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ " وَنَقْلُ كُلٍّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عَنْ مَالِكِهِ إلَى الْآخَرِ بِالْفِعْلِ شَرْطُ جَوَازِهِ فَكَانَ فِي الْمُسَمَّى مَعْنَى اللُّغَةِ فَسُمِّيَ بِاسْمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَشْرُوطِ فِيهِ (أَوْ هُوَ) أَيْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الزِّيَادَةُ دُونَ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الْبَدَلِ الْآخَرِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ وَالْخِمَارِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ قَصْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ التِّجَارَةُ وَالرِّبْحُ فِيهِ بِالنَّقْلِ وَإِلَّا خَلَا الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ تُسَمَّى صَرْفًا وَبِهِ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا فِي قَوْلِهِ ﷺ «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرْفِ النَّافِلَةُ الَّتِي هِيَ الزِّيَادَةُ، وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ فِي مُنَاسَبَةِ تَسْمِيَةِ الْفَرْضِ عَدْلًا فَقِيلَ عَلَيْهِ قَدْ فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِغَيْرِ هَذَا.
قَالَ فِي الْفَائِقِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute