قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ ﵁: وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ قَبْضُهُمَا سَوَاءٌ
مَرْفُوعًا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُجْعَلَ عَامِلُهُ مُتَعَلِّقَ الْمَجْرُورِ: أَيْ الذَّهَبُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ.
نَعَمْ حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ ﷺ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مُفَرَّغٌ لِلْحَالِ، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ «وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِلنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَا تَزِيدُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَتَّضِحُ فِي مَعْنَى النَّقْصِ وَإِلَّا لَقَالَ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ، وَقَوْلُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُشِفُّوا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ تَفْسِيرٌ لِمِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنَّ الْمِثْلِيَّةَ أَعَمُّ، فَفَسَّرَهَا بِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارِ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» أَيْضًا، وَتَخْرِيجُهُ وَهُوَ دَلِيلُ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَسُقُوطُ زِيَادَةِ الصِّيَاغَةِ بِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ بِإِنَاءٍ كُسِرَ وَإِنِّي قَدْ أَحْكَمْت صِيَاغَتَهُ، فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ فَأُعْطِيت وَزْنَهُ وَزِيَادَةً، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا. هَذَا وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسَاوَاةِ الْمَصُوغُ بِالْمَصُوغِ وَالتِّبْرُ بِالْآنِيَةِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ إنَاءَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا نُحَاسٍ أَوْ شِبْهِهِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ تَفَاضَلَا وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ جَعْلِهِ عَدَدِيًّا لَوْ تُعُورِفَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهِ بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ عَدَدِيَّتِهِ إذَا صِيغَ وَصُنِعَ.
(قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي فَوَائِدِ الْقُدُورِيِّ: الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ هُنَا الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ يُرِيدُ بِالْيَدِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ ابْتِدَاءِ الصِّحَّةِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: فَإِذَا افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ صَرْفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ (لِمَا رُوِّينَا) يَعْنِي قَوْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute