لِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا وَاجِبًا.
قَالَ (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ وَالْحَمْلُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ (وَكَذَا مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِخِدْمَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ) لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَا يَضْمَنُ الْكَفِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِالْكَفَالَةِ، وَلَوْ ضَمِنَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَا نَقَصَ الرَّهْنُ مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ تِسْعَمِائَةٍ وَالدَّيْنُ أَلْفٌ مَثَلًا ضَمِنَ الْكَفِيلُ مِائَةً لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ دَيْنًا مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ الرَّاهِنِ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْأَصِيلِ بِسَبَبِ هَذَا الْقَبْضِ فَلَا يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ ضَمَانُ الْكَفِيلُ وَأَخَذَ بِهِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ ضَامِنٌ مَالِيَّةَ الْعَيْنِ هُنَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَغْصُوبِ، وَلَفْظُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْفَتْحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَتَى هَلَكَ كُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ وَالْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ بِتَسْلِيمِهِ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ؛ فَفِي الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُ وَجْهَهُ وَفِي الْمُسْتَأْجَرِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهِ وَخَرَجَ الْأَصِيلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ رَدُّ الْأُجْرَةِ، وَالْكَفِيلُ مَا كَفَلَ الْأَجْرَ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ، فَإِنْ كَانَتْ بِعَيْنِهَا) أَيْ آجَرَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ (لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْفِعْلِ) الْوَاجِبِ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّابَّةِ لِيَحْمِلَهُ عَلَيْهَا (وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْحَمْلُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ) أَوْ عَلَى دَابَّةٍ يَسْتَأْجِرُهَا (وَالْحَمْلُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ) وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْكَفِيلِ فَصَحَّتْ كَفَالَتُهُ بِهِ (وَوَازَنَهُ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِخِدْمَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ إذْ لَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ، أَمَّا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلَوْ هَلَكَ لَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ.
وَقَالَ شَارِحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنَّ الدَّابَّةَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ لَا الْحَمْلِ، فَالْكَفَالَةُ بِالْحَمْلِ كَفَالَةٌ بِمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا تَصِحُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْحَمْلُ وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute