قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ آخِرًا: يَجُوزُ إذَا بَلَغَهُ أَجَازَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِجَازَةَ، وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا. لَهُ أَنَّهُ تَصَرُّفُ الْتِزَامٍ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ، وَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفُضُولِيِّ
لَيْسَ إلَّا تَسْلِيمَ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ بِسَبَبِ أَنَّ تَحْمِيلَهُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حَمْلُ الدَّابَّةِ فَكَذَلِكَ إجَارَةُ حَمْلِهِ عَلَى دَابَّةٍ إلَى مَكَانِ كَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى تَسْلِيمِ أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتْ إذْ لَا يَجِبُ تَحْمِيلُهُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْ الرَّجُلَ نَفْسَهُ فَلَا فَرْقَ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْكَفَالَةُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَمْلَ أَيْضًا غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ بِعَيْنِ مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ تَسْلِيمَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ فِيهِمَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ صَحِيحَةٌ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ كَوْنُ الْمُسْتَأْجَرِ مِلْكًا لِغَيْرِ الْكَفِيلِ، وَإِنْ كَانَ التَّحْمِيلُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْأَصِيلِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْحَمْلِ عَلَى الدَّابَّةِ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَ مُجَرَّدَ تَسْلِيمِهَا بَلْ الْمَجْمُوعُ مِنْ تَسْلِيمِهَا وَالْإِذْنُ فِي تَحْمِيلِهَا وَهُوَ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا، فَفِي الْمُعَيَّنَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِذْنِ فِي تَحْمِيلِهَا إذْ لَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا لِيَصِحَّ إذْنُهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْحَمْلِ، وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ عِنْدَ تَسْلِيمِ دَابَّةِ نَفْسِهِ أَوْ دَابَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا.
(قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجُوزُ إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ) أَيْ نُسَخِ كَفَالَةِ الْأَصْلِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (الْإِجَازَةَ) بَلْ إنَّهُ نَافِذٌ إنْ كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ غَائِبًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ عَنْهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ (وَالْخِلَافُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا) وَجْهُ رِوَايَةِ النَّفَاذِ (أَنَّهُ الْتِزَامٌ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمُلْتَزِمُ) وَلَا يَتَعَدَّى لَهُ ضَرَرٌ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْمُطَالَبَةِ لَا مَلْزُومٌ، فَإِنْ رَأَى مُطَالَبَتَهُ طَالَبَهُ وَإِلَّا لَا.
وَأَحَالَ الْمُصَنِّفُ وَجْهَ التَّوَقُّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ شَطْرَ الْعَقْدِ يَتَوَقَّفُ حَتَّى إذَا عَقَدَ فُضُولِيٌّ لِامْرَأَةٍ عَلَى آخَرَ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا إذَا كَانَ عَقْدًا تَامًّا بِأَنْ خَاطَبَ عَنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ وَعِنْدَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute