حَصَلَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ. وَلَنَا أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ لِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ
بِمَوْتٍ أَوْ إفْلَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَاللَّيْثِ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ إذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا وَلَمْ يَعْلَمْ الطَّالِبُ بِذَلِكَ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بَعْدَ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ عَيْبٌ فِي الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِسَبَبِهِ كَالْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ الْمُحِيلَ غَرَّهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ دَلَّسَ الْمَبِيعَ يَرْجِعُ بِهِ (لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ) الْحَاصِلَةَ بِالِانْتِقَالِ (حَصَلَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ) وَلَا سَبَبَ فَلَا عَوْدَ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ ﵂ دَيْنٌ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى آخَرَ فَمَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ اخْتَرْت عَلِيًّا فَقَالَ لَهُ أَبْعَدَك اللَّهُ فَمَنَعَ رُجُوعَهُ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقَةً بَلْ هِيَ مُقَيَّدَةٌ مَعْنًى بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً، وَهَذَا الْقَيْدُ ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحَوَالَةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ الْوُجُوبِ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّ الذِّمَمَ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْقَدْرِ مُتَسَاوِيَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَفَاوَتُ فِي إحْسَانِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، فَالْمَقْصُودُ التَّوَصُّلُ إلَى الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي عَلَى الْوَجْهِ الْأَحْسَنِ، وَإِلَّا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ الْأَوَّلِ فَصَارَتْ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَشْرُوطُ عَادَ حَقُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute