فَصَارَ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. قَالَ (وَالتَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ:
فَصَارَ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ فَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَعُودُ الدَّيْنُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مَا ثَبَتَتْ مُطْلَقَةً بَلْ بِعِوَضٍ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ يَعُودُ.
يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ﵁ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا فِي الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا قَالَ: يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَقَالَ لَا تَوَى عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. وَلَفْظُ الْأَسْرَارِ قَالَ: إذَا تَوِيَ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ، وَلَا تَوَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ شُرَيْحٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ، فَإِنْ كَانَا صَحِيحَيْنِ أَوْ لَمْ يَثْبُتَا فَقَدْ تَكَافَآ. هَذَا وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ الْعَوْدِ فَقِيلَ بِفَسْخِ الْحَوَالَةِ أَيْ بِفَسْخِهَا الْمُحْتَالَ وَيُعَادُ الدَّيْنُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، وَقِيلَ تَنْفَسِخُ وَيَعُودُ الدَّيْنُ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ عَنْ إفْلَاسٍ تَنْفَسِخُ وَيَعُودُ. وَفِي الْجُحُودِ يُفْسَخُ وَيُعَادُ، وَفِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالُوا لَوْ مَاتَ الْمُحِيلُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسَيْنِ لَا يَرْجِعُ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِعْسَارِ وَلِهَذَا كُلَّمَا ظَهَرَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ أَخَذَهُ كَمَا فِي الْكَفِيلِ وَالْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا مَاتَا مُفْلِسَيْنِ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ، ثُمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَثْبُتُ حَالَةَ حَيَاةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ. قَالُوا: مَالُ الْحَوَالَةِ جُعِلَ كَالْمَقْبُوضِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَقْبُوضِ لَأَدَّى إلَى الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلِأَنَّهُ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ كَالْمَقْبُوضِ لَمْ تَجُزْ الْحَوَالَةُ. وَإِذَا مَاتَ الْمُحِيلُ مُفْلِسًا لَا يَكُونُ الْمُحْتَالُ أُسْوَةً لِلْغُرَمَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَالْمَقْبُوضِ لَا يَرْجِعُ. قُلْنَا: لَيْسَ كَالْمَقْبُوضِ وَإِلَّا لَجَازَ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمَقْبُوضِ صَارَ دَيْنًا بِدَيْنٍ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمُعَاوَضَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَالْقَرْضِ.
وَأَمَّا الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَحُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَالْمَقْبُوضِ لَجَازَ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَحَالَ بِهِمَا فَلَوْ افْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ قَبْضًا لَكَانَ هَذَا افْتِرَاقًا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُحْتَالِ لَا يَصِيرُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ إذَا مَاتَ الْمُحِيلُ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى مَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَمَمْنُوعٌ. قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَلَوْ أَنَّ الْمُحَالَ أَخَّرَ الْحَوِيلَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُحِيلُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى دَيْنِ الْمُحَالِ يُقْسَمُ دَيْنُهُ عَلَى الْحَوِيلِ بَيْنَ الْمُحَالِ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ لِأَنَّ هَذَا مَالُ الْمُحِيلِ وَلَمْ يَصِرْ بِالْحَوَالَةِ مِلْكًا لِلْمُحَالِ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يُتَصَوَّرُ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحَالِ وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ الْمُحَالُ أَخَصَّ بِهِ مَا لَمْ تَثْبُتْ الْيَدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَعَلَّقُ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لَوْ وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ آخَرُ كَانَ رَقَبَتُهُ ثَمَّ وَكَسْبُهُ بَيْنَ الْكُلِّ بِالْحِصَصِ انْتَهَى. وَإِذَا عُرِفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالتَّوَى بَيْنَ التَّوَى بِقَوْلِهِ (وَالتَّوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ بِكُلٍّ مِنْ أَمْرَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute