قَالَ (وَإِذَا طَالَبَ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ بِمَا أَحَالَهُ بِهِ فَقَالَ إنَّمَا أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي وَقَالَ الْمُحْتَالُ لَا بَلْ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ كَانَ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ وَلَفْظَةُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) لِتَقَيُّدِهَا بِهَا، فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ
فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ هُوَ الْأَصْلُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ الْقَوْلُ لِلطَّالِبِ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِالدَّيْنِ ظَاهِرًا، فَمَا قَالَهُ الْمُحِيلُ تَوْكِيلٌ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَفْظَةُ الْحَوَالَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ) جَوَابٌ عَنْهُ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَمَنْعُ كَوْنِهَا بِالدَّيْنِ أَظْهَرُ فَالْحَوَالَةُ مُتَوَاطِئٌ فِيهِمَا وَإِلَّا فَادِّعَاؤُهُ مَجَازًا مُتَعَارَفًا يَخُصُّ قَوْلَهُمَا فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ حِينَ اسْتَبْعَدَ التَّوَاطُؤَ وَتَقْدِيمَ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ فَحَمَلَهَا عَلَى مَا إذَا اسْتَوْفَى الْمُحْتَالُ الْأَلْفَ الْمُحَالَ بِهَا وَقَدْ كَانَ الْمُحِيلُ بَاعَ مَتَاعًا مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَلْفِ فَيَقُولُ الْمُحْتَالُ كَانَ الْمَتَاعُ مِلْكِي وَكُنْت وَكِيلًا فِي بَيْعِهِ عَنِّي وَالْمَقْبُوضُ مَالِيٌّ وَيَقُولُ الْمُحِيلُ كَانَ الْمَتَاعُ مِلْكِي وَإِنَّمَا بِعْتُهُ لِنَفْسِي فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ، لِأَنَّ أَصْلَ الْمُنَازَعَةِ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَالْيَدِ كَانَ لِلْمُحِيلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ الْمَسْأَلَةِ بِنَحْوِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ فِي سَائِرِ الْأُمَّهَاتِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَجْوِيزِ كَوْنِ لَفْظِ أَحَلْتُك بِأَلْفٍ يُرَادُ بِهِ أَلْفٌ لِلْمُحِيلِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ عَلَى الْإِنْسَانِ لَا يُمْكِنُ بِمِثْلِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَطْعِ بِهَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَوْ دَلَالَتِهِ، مِثْلُ: لَهُ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَّةِ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ ضَرَرُ شَغْلِ ذِمَّتِهِ إلَّا بِمِثْلِهِ مِنْ اللَّفْظِ، وَمِنْهُ نَحْوُ قَوْلِهِ اتَّزِنْهَا فِي جَوَابِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لِلتَّيَقُّنِ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي اتَّزِنْهَا عَلَى الْأَلْفِ الْمُدَّعَاةِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَحَلْتُك.
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ) لِتَيَسُّرِ مَا يُقْضَى بِهِ وَحُضُورِهِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ (فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُودِعُ (لِتَقَيُّدِهَا بِهَا) أَيْ لِتَقَيُّدِ الْحَوَالَةِ الْوَدِيعَةِ الَّتِي هَلَكَتْ (فَإِنَّهُ) أَيْ الرَّجُلُ (مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً) بِعَيْنِ (مَغْصُوبٍ) عَرْضٍ أَوْ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ الْمُحَالُ بِهِ لَا تَبْطُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute