وَلَوْ قَبِلَ جَازَ عِنْدَنَا.
وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا ﵏.
لَا يَحِلُّ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا فَإِنْ قَضَى جَازَ وَنَفَذَ.
(وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا) قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَوُلِّيَ (فَفَسَقَ) وَجَازَ (بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا) مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ (لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا) الْبُخَارِيُّونَ وَالسَّمَرْقَنْدِيُّونَ وَمَعْنَى يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ. وَقِيلَ إذَا وُلِّيَ عَدْلًا ثُمَّ فَسَقَ انْعَزَلَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ فِي مَعْنَى الْمَشْرُوطَةِ فِي وِلَايَتِهِ، لِأَنَّهُ حِينَ وَلَّاهُ عَدْلًا اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مُقَيَّدَةً بِعَدَالَتِهِ فَتَزُولُ بِزَوَالِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَ ذَلِكَ انْعَزَلَ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ إذَا وَصَلْت إلَى بَلْدَةِ كَذَا فَأَنْتَ قَاضِيهَا، وَإِذَا وَصَلْت إلَى مَكَّةَ فَأَنْتَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ، وَالْإِضَافَةُ كَأَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُك قَاضِيًا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا كَأَنْ يَقُولَ جَعَلْتُك قَاضِيًا إلَّا فِي قَضِيَّةِ فُلَانٍ أَوْ لَا تَنْظُرُ فِي قَضِيَّةِ كَذَا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِيَارِ وِلَايَتِهِ لِصَلَاحِهِ تَقْيِيدُهَا بِهِ عَلَى وَجْهٍ تَزُولُ بِزَوَالِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ الْمُوَرِّدُ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَفِي الِابْتِدَاءِ يَجُوزُ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ، فَفِي الْبَقَاءِ لَا يَنْعَزِلُ. وَاتَّفَقُوا فِي الْإِمْرَةِ وَالسَّلْطَنَةِ عَلَى عَدَمِ الِانْعِزَالِ بِالْفِسْقِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ.
ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْإِمَارَةِ وَإِضَافَتِهَا «قَوْلُهُ ﷺ حِينَ بَعَثَ الْبَعْثَ إلَى مُؤْتَةَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ أَمِيرُكُمْ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي. ثُمَّ الرِّشْوَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَالْمُعْطِي وَهُوَ الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا. الثَّانِي ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ. أَمَّا فِي الْحَقِّ فَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا فِي الْبَاطِلِ فَأَظْهَرُ.
وَحُكِيَ فِي الْفُصُولِ فِي نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لَا يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى فِيهِ، وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا، يَنْفُذُ فِيهِمَا، وَهُوَ مَا ذَكَرَ الْبَزْدَوِيُّ، وَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ حَاصِلَ أَمْرِ الرِّشْوَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِحَقٍّ أَجَابَهَا فِسْقُهُ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute