وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: الْفَاسِقُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ، وَعَنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ﵏ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ﵏: إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ الْمُقَلَّد اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ دُونَهَا.
وَهَلْ يَصْلُحُ الْفَاسِقُ مُفْتِيًا؟ قِيلَ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ
فَوِلَايَتُهُ قَائِمَةٌ وَقَضَاؤُهُ بِحَقٍّ فَلِمَ لَا يَنْفُذُ، وَخُصُوصُ هَذَا الْفِسْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَغَايَةُ مَا وُجِّهَ بِهِ أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى عَامِلٌ لِنَفْسِهِ أَوْ وَلَدِهِ يَعْنِي وَالْقَضَاءُ عَمَلُ اللَّهِ تَعَالَى وَارْتِشَاءُ الْقَاضِي أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَوْ بَعْضِ أَعْوَانِهِ سَوَاءٌ إذَا كَانَ بِعِلْمِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَشِيَ ثُمَّ يَقْضِيَ أَوْ يَقْضِيَ ثُمَّ يَرْتَشِيَ، وَفِيهِ لَوْ أَخَذَ الرِّشْوَةَ ثُمَّ بَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَقْضِيَ لَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الثَّانِي، لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمِلَ فِي هَذَا لِنَفْسِهِ حِينَ أَخَذَ الرِّشْوَةَ وَإِنْ كَانَ كَتَبَ إلَى الثَّانِي لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ وَأَخَذَ مِثْلَ أَجْرِ الْكِتَابِ صَحَّ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، وَاَلَّذِي قُلِّدَ بِوَاسِطَةِ الشُّفَعَاءِ كَاَلَّذِي قُلِّدَ احْتِسَابًا فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ طَلَبُ الْوِلَايَةِ بِالشُّفَعَاءِ.
الثَّالِثُ: أَخَذَ الْمَالَ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخَرِ لَا الدَّافِعِ، وَحِيلَةُ حِلِّهَا لِلْآخِذِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ أَوْ يَوْمَيْنِ فَتَصِيرَ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةً ثُمَّ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الذَّهَابِ إلَى السُّلْطَانِ لِلْأَمْرِ الْفُلَانِيِّ. وَفِي الْأَقْضِيَةِ قَسَّمَ الْهَدِيَّةَ وَجَعَلَ هَذَا مِنْ أَقْسَامِهَا فَقَالَ: حَلَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِهْدَاءِ لِلتَّوَدُّدِ. وَحَرَامٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِهْدَاءِ لِيُعِينَهُ عَلَى الظُّلْمِ، حَلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمُهْدِي حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ وَهُوَ أَنْ يُهْدِيَ لِيَكُفَّ عَنْهُ الظُّلْمُ. وَالْحِيلَةُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ إلَخْ، قَالَ: هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ، أَمَّا إذَا كَانَ الْإِهْدَاءُ بِلَا شَرْطٍ وَلَكِنْ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي إلَيْهِ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ قَضَى حَاجَتَهُ بِلَا شَرْطٍ وَلَا طَمَعٍ فَأَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَرَاهَتِهِ فَوَرَعٌ. الرَّابِعُ مَا يُدْفَعُ لِدَفْعِ الْخَوْفِ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ، لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ لِيَفْعَلَ الْوَاجِبَ.
(وَهَلْ يَصْلُحُ الْفَاسِقُ مُفْتِيًا قِيلَ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ) وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute