لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ.
قَالَ (وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يُسَلَّمُ إلَيْهِ دِيوَانُ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) وَهُوَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَغَيْرُهَا، لِأَنَّهَا وُضِعَتْ فِيهَا لِتَكُونَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَاجَةِ فَتُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ الْخُصُومِ فِي الصَّحِيحِ
يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ مِنْ التَّقَلُّدِ) حِينَئِذٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. هَذَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ وَلَا مَنْ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ كَقُرْطُبَةَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ الْآنَ وَبَلَنْسِيَةَ وَبِلَادِ الْحَبَشَةِ وَأَقَرُّوا الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ عَلَى مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُونَهُ وَالِيًا فَيُوَلَّى قَاضِيًا أَوْ يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَكَذَا يُنَصِّبُوا لَهُمْ إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ.
[فُرُوعٌ فِي الْعَزْلِ] لِلسُّلْطَانِ عَزْلُ الْقَاضِي بِرِيبَةٍ وَبِلَا رِيبَةٍ، وَلَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْعَزْلُ وَيَنْعَزِلُ نَائِبُهُ بِعَزْلِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ.
وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَائِبٌ لِلسُّلْطَانِ، وَيَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ نَفْسِهِ إذَا بَلَّغَ السُّلْطَانَ، وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَنْعَزِلُ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ نَفْسِهِ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يُبَلِّغَ الْمُوَكِّلَ. وَقِيلَ لَا يَنْعَزِلُ الْقَاضِي بِعَزْلِ نَفْسِهِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَارَ حَقًّا لِلْعَامَّةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ السُّلْطَانِ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضٍ آخَرُ صِيَانَةً لِحُقُوقِ النَّاسِ، وَمِثْلُهُ وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ يَشْتَرِطُ عِلْمَ الْقَاضِي، وَيَجُوزُ تَعْلِيقَ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ. وَمِنْ صُوَرِهِ: إذَا كَتَبَ الْخَلِيفَةُ إلَيْهِ إذَا وَصَلَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتَ مَعْزُولٌ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ. وَلَمْ يُجِزْ ظَهِيرُ الدِّينِ تَعْلِيقَ الْعَزْلِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيَنْعَزِلُ خُلَفَاءُ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ أُمَرَاءُ الْخَلِيفَةِ، وَلَوْ قُلِّدَ رَجُلٌ قَضَاءَ بَلْدَةِ قَاضٍ هَلْ يَنْعَزِلُ؟ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْعَزِلُ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَلَوْ شَرَطَ فِي الْقَضَاءِ شَرْطًا مِثْلُ أَنْ لَا يَمْتَثِلَ أَمْرَ أَحَدٍ فَخَالَفَ انْعَزَلَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتْرَكُ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ يَعْزِلُهُ وَيَقُولُ أَشْغَلْنَاك اذْهَبْ فَاشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ ثُمَّ ائْتِنَا. .
(قَوْلُهُ وَمَنْ قُلِّدَ الْقَضَاءَ يَسْأَلُ) أَيْ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ. هَذَا وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ: أَيْ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي الْمُنْعَزِلِ دِيوَانَهُ ثُمَّ فَسَّرَ دِيوَانَهُ بِأَنَّهُ (الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا السِّجِلَّاتُ وَغَيْرُهَا) مِنْ كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَكُتُبِ نَصْبِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْمُحَاضِرِ وَالصُّكُوكِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ لِلْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا اقْتَضَاهُ الْحَالُ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ (لِأَنَّهَا) إنَّمَا (وُضِعَتْ) عِنْدَ الْقَاضِي (لِتَكُونَ حُجَّةً) وَوَثِيقَةً مَحْفُوظَةً (عِنْدَ) الْقَاضِي إذَا وَقَعَتْ (الْحَاجَةُ) إلَى الْحُجَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْأَحْوَالِ (فَتُجْعَلُ عِنْدَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ) فِي أُمُورِهِمْ وَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ إلَّا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ (ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَيَاضُ) الَّذِي كَتَبَ فِيهِ الْقَاضِي وَرَقًا أَوْ رِقًّا (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِ أَرْبَابِ الْقَضَايَا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute