للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَيَجْلِسُ لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا فِي الْمَسْجِدِ) كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ، وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْهَرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ دُخُولِهِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمِ». «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ فِي مُعْتَكَفِهِ» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالصَّلَاةِ.

لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُمَا. وَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْقَاضِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَيَنْفُذُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ لِلْحُكْمِ جُلُوسًا ظَاهِرًا كَيْ لَا يَشْتَبِهَ مَكَانُهُ عَلَى الْغُرَبَاءِ وَبَعْضِ الْمُقِيمِينَ) وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي طُولِ الْجُلُوسِ وَلَكِنْ يَجْلِسُ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَكَذَا الْمُفْتِي وَالْفَقِيهُ (وَالْمَسْجِدُ الْجَامِعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْهَرُ) ثُمَّ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَاتُ وَإِنْ لَمْ تُصَلَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ. قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: هَذَا إذَا كَانَ الْجَامِعُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي طَرَفٍ مِنْهَا فَلَا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى أَهْلِ الشُّقَّةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ وَفِي السُّوقِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي بَيْتِهِ وَحَيْثُ كَانَ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا، وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقَضَاءُ (يَحْضُرُهُ الْمُشْرِكُ وَهُوَ نَجَسٌ بِالنَّصِّ) قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ﴾ (وَالْحَائِضُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ دُخُولِهِ) وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَالْخُصُومَاتُ تَقْتَرِنُ بِالْمَعَاصِي كَثِيرًا مِنْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْكَذِبِ فِي الدَّعَاوَى (وَلَنَا) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ اللِّعَانِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَفِيهِ «فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ» وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا كَاذِبًا حَانِثًا فِي يَمِينٍ غَمُوسٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سُجُفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِك، قَالَ كَعْبُ: قَدْ فَعَلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مُسْنِدًا إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ يَخْطُبُنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ أَتَى رَجُلٌ فَتَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى قَرُبَ إلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ: اجْلِسْ فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، فَقَالَ اجْلِسْ فَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عَلَيَّ الْحَدَّ، قَالَ وَمَا حَدُّك؟ قَالَ: أَتَيْت امْرَأَةً حَرَامًا، فَقَالَ لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>