للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فِي اعْتِقَادِهِ لَا فِي ظَاهِرِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ، وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا فَيَخْرُجُ الْقَاضِي إلَيْهَا أَوْ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ يَبْعَثُ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَصْمِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي الدَّابَّةِ. وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ فِيهَا،

وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ انْطَلِقُوا بِهِ فَاجْلِدُوهُ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْلِدُ الَّتِي خَبُثَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ صَاحِبَتُك؟ قَالَ: فُلَانَةُ فَدَعَاهَا ثُمَّ سَأَلَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَبَ عَلَيَّ وَاَللَّهِ إنِّي لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ : مَنْ شَاهِدُك؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَاهِدٌ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً» وَأَمَّا إنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ فَنُقِلَ بِالْمَعْنَى: يَعْنِي وَقَعَ مِنْهُمْ هَذَا، وَلَا يَكَادُ يَشُكُّ فِي أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَقَعَ لَهُمَا ذَلِكَ.

وَمَنْ تَتَبَّعَ السِّيَرَ رَأَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا. فَفِي الْبُخَارِيِّ: " لَاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ . ". وَأَسْنَدَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ قَضَى فِي الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ، فَمَا قِيلَ إنَّهُ غَرِيبٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد رِوَايَةُ هَذَا اللَّفْظِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ بِسَنَدِهِ إلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّهُ رَأَى أَبَا بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْقَبْرِ. "، وَكَانَ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَسْنَدَ إلَى سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ بَانَكَ. قَالَ: رَأَيْت سَعْدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ قَدْ وُلِّيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ.

وَإِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا وَلَّى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إمْرَةَ الْمَدِينَةِ لَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَّى أَبَا طُوَالَةَ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَانَ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: أَبُو طُوَالَةَ ثِقَةٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَإِلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: رَأَيْت شُرَيْحًا يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، وَإِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: رَأَيْت الشَّعْبِيَّ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَاضِي الْكُوفَةِ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ، وَكُلُّ قَضَاءٍ صَدَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَانَ بَيْنَ السَّلَفِ مَشْهُورًا وَفِيهِمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَلَمْ يُرْوَ إنْكَارُهُ عَنْ أَحَدٍ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالْحُكْمِ» فَلَمْ يُعْرَفْ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ «الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي قَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مَهْ مَهْ، فَقَالَ : لَا تَزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَالْقَذَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، قَالَ: وَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ» وَأَمَّا نَجَاسَةُ الْمُشْرِكِ فَفِي الِاعْتِقَادِ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ (وَالْحَائِضُ تُخْبِرُ بِحَالِهَا لِيَخْرُجَ إلَيْهَا الْقَاضِي) أَوْ يُرْسِلَ نَائِبَهُ (كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَابَّةٍ، وَلَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ فَحَسَنٌ بِ) شَرْطِ (أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ) عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقًّا فِي مَجْلِسِهِ، وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>