للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي جُلُوسِهِ وَحْدَهُ تُهْمَةً.

قَالَ (وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالثَّانِيَ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ بَلْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَصِيرُ آكِلًا بِقَضَائِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ لِلْقَرِيبِ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ، وَكَذَا إذَا زَادَ الْمُهْدِي عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ فَيَتَحَامَاهُ.

قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْجِدِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ.

وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَا يَقْضِي وَهُوَ يَمْشِي أَوْ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُعْتَدِلِ الْحَالِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِمَا هُوَ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَّكِئَ لِأَنَّهُ نَوْعُ جِلْسَةٍ كَالتَّرَبُّعِ وَغَيْرِهِ، وَطِبَاعُ النَّاسِ فِي الْجُلُوسِ مُخْتَلِفَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْضِيَ وَهُوَ غَضْبَانُ أَوْ فَرْحَانُ أَوْ جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ أَوْ مَهْمُومٌ أَوْ نَاعِسٌ أَوْ فِي حَالِ بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْجِمَاعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي حَالَ شَغْلِ قَلْبِهِ، وَأَصْلُهُ حَدِيثُ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» مَعْلُولٌ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُرِيدُ الْجُلُوسَ وَلَا يَسْمَعُ مِنْ رَجُلٍ حُجَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ قَلِيلًا، وَلَا يُقَدِّمُ رَجُلًا جَاءَ الْآخَرُ قَبْلَهُ، وَلَا يَضْرِبُ فِي الْمَسْجِدِ حَدًّا وَلَا تَعْزِيرًا (وَ) يَنْبَغِي أَنْ (يَجْلِسَ مَعَهُ مَنْ كَانَ يُجَالِسُهُ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي جُلُوسِهِ وَحْدَهُ تُهْمَةً) الرِّشْوَةَ أَوْ الظُّلْمَ. وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ مَا كَانَ يَحْكُمُ حَتَّى يَحْضُرَ أَرْبَعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيُشَاوِرَهُمْ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُحْضِرُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ: يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ وَيُشَاوِرُهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ دَخَلَهُ حَصْرٌ فِي قُعُودِهِمْ عِنْدَهُ أَوْ شُغْلِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ جَلَسَ وَحْدَهُ، فَإِنَّ طِبَاعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ حِشْمَةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْدَادُ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ يَدْخُلُهُ حَصْرٌ جَلَسَ وَحْدَهُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَذِرَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ قَضَائِهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّهُ فَهِمَ حُجَّتَهُ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِ كَذَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ غَيْرُهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْفَعَ لِشِكَايَتِهِ لِلنَّاسِ، وَنِسْبَتِهِ إلَى أَنَّهُ جَارٍ عَلَيْهِ. وَمَنْ يَسْمَعْ يُخَلِّ، فَرُبَّمَا تُفْسِدُ الْعَامَّةُ غَرَضَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَإِذَا أَمْكَنَ إقَامَةُ الْحَقِّ مَعَ عَدَمِ إيغَارِ الصُّدُورِ كَانَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهْدِيَ إمَّا لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِمُهَادَاتِهِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُصُومَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمُعْتَادِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنْ زَادَ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ. وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ زَادَ فَبِقَدْرِ مَا زَادَ مَالُهُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>