. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
زَادَ فِي الْهَدِيَّةِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ الْقَرِيبِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْمُهَادَاةِ كَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَرِيبِ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَادَةً فَأَهْدَى بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَقْبَلُ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ مَعَ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ تُفِيدُ قَبُولَهَا مِنْ الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ بِالْمُهَادَاةِ قَبْلُ إذَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ.
وَالْوَجْهُ هُوَ ظَاهِرُ النِّهَايَةِ. ثُمَّ صَرَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّعْوَى عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ بِمُهَادَاةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِفَقْرٍ ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ وِلَايَةِ قَرِيبِهِ فَصَارَ يُهْدَى إلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَانِعَ مَا كَانَ إلَّا الْفَقْرَ، وَهَذَا عَلَى شِبْهِ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الزِّيَادَةِ إذَا كَثُرَ مَالُهُ.
ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُبَاحُ أَخْذُهَا قِيلَ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ عَمَلِهِ لَهُمْ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفَهُمْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ أَوْ كَانُوا بَعِيدًا حَتَّى تَعَذَّرَ الرَّدُّ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ، فَإِنْ جَاءَ الْمَالِكُ يَوْمًا يُعْطَاهَا، وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَلًا حُكْمُهُ فِي الْهَدِيَّةِ حُكْمُ الْقَاضِي.
وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ أَنَّ الرِّشْوَةَ يُعْطِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعِينَهُ، وَالْهَدِيَّةُ لَا شَرْطَ مَعَهَا انْتَهَى. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي، قَالَ ﵊: هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتْ الْهَدِيَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَدِيَّةً وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ ﵁ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ: تَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ﵁: أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدْت فِي بَيْتِك فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى لَك أَمْ لَا، فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ ﷺ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ الْمُهْدِي عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ كَانَتْ لَهُ خُصُومَةٌ كُرِهَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُحَرَّمٌ كَالرِّشْوَةِ. هَذَا وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَدِيَّةُ الْمُسْتَقْرِضِ لِلْمُقْرِضِ كَالْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ اسْتِقْرَاضِهِ فَأَهْدَى إلَى الْمُقْرِضِ فَلِلْمُقْرِضِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا كَانَ يُهْدِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute