قَالَ (وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ (ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ) كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ عِلْمَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْخَتْمِ بِحَضْرَتِهِمْ شَرْطٌ، وَكَذَا حِفْظُ مَا فِي الْكِتَابِ عِنْدَهُمَا وَلِهَذَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ كِتَابٌ آخَرُ غَيْرُ مَخْتُومٍ لِيَكُونَ مَعَهُمْ مُعَاوَنَةٌ عَلَى حِفْظِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ آخِرًا: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ. وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ﵀ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ﵀.
[فَرْعٌ]
يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا جَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ. وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ ثُمَّ قَصَّ الْقِصَّةَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ فَجَاءَ بِهِ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ، فَفِي الْفَتَاوَى لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُمْضِيَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَلِيقُ بِالْقَاضِي أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْأَمِيرِ لِيُخْبِرَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِذَلِكَ رَسُولًا ثِقَةً كَانَ عِبَارَةُ رَسُولِهِ كَعِبَارَتِهِ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ، فَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كِتَابَهُ وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَشَرْطُنَا هُنَاكَ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الشُّرُوطِ الْمَوْعُودِ بِذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ نَذْكُرُهَا. وَالْحَاصِلُ إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْلِمَهُمْ مَا فِيهِ: أَيْ بِإِخْبَارِهِ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ بِالْمَشْهُودِ بِهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الصَّكَّ مَكْتُوبٌ عَلَى فُلَانٍ لَا يُفِيدُ مَا لَمْ يَشْهَدُوا بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَاشْتِرَاطُ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ.
وَمِنْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ خَتَمَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْتِمَهُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مُعَنْوَنًا: أَيْ مَكْتُوبًا فِيهِ الْعُنْوَانُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ اسْمُ الْكَاتِبِ وَاسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبُهُمَا وَالشَّرْطُ الْعُنْوَانُ الْبَاطِنُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَكَانَ مُعَنْوَنًا فِي الظَّاهِرِ لَا يَقْبَلُهُ لِتُهْمَةِ التَّغْيِيرِ، وَعَنْ هَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نُسْخَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةٌ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى حِفْظِ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّذَكُّرِ مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا.
(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ آخِرًا: شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَالشَّرْطُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ) بَعْدَمَا كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْخَتْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْضًا رَخَّصَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأُمَّةِ السَّرَخْسِيِّ) وَلَا شَكَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute