قَالَ (وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْكَاتِبَ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ.
عِنْدِي فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ الْفَرْضَ إذَا كَانَ عَدَالَةَ الشُّهُودِ وَهُمْ حَمَلَةُ الْكِتَابِ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ غَيْرَ مَخْتُومٍ مَعَ شَهَادَتِهِمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْكِتَابُ مَعَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَتْمَ لِاحْتِمَالِ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ حِفْظًا، فَالْوَجْهُ إنْ كَانَ الْكِتَابُ مَعَ الشُّهُودِ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ مَعْرِفَتُهُمْ لِمَا فِيهِ وَلَا الْخَتْمُ، بَلْ تَكْفِي شَهَادَتُهُمْ أَنَّهُ كِتَابُهُ مَعَ عَدَالَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي اُشْتُرِطَ حِفْظُهُمْ لِمَا فِيهِ فَقَطْ وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ التَّارِيخَ، فَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ لَا يُقْبَلُ، وَذَلِكَ لِيَنْظُرَ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ لَا، وَكَذَا إنْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَا تُقْبَلُ.
وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ: يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمِصْرَيْنِ، وَمِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي رُسْتَاقٍ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ انْتَهَى.
وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ بَعْدَ عَدَالَةِ شَهَادَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ وَالْكِتَابِ لَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ الْعُنْوَانُ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَبِي فُلَانٍ إلَى أَبِي فُلَانٍ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْمِ أَوْ الْكُنْيَةِ لَا يَتَعَرَّفُ بِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكُنْيَةُ مَشْهُورَةً مِثْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَكَذَلِكَ النِّسْبَةُ إلَى أَبِيهِ فَقَطْ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ تُقْبَلُ الْكُنْيَةُ الْمَشْهُورَةُ كَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَلَا تَجُوزُ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْتَرِكُونَ فِي الْكُنَى غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَشْتَهِرُ بِهَا فَلَا يَعْلَمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَنَّ الْمَكْنِيَّ هُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ بِهَا أَوْ غَيْرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ إلَى قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ وَاحِدًا فَيَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَحَلِّ الْوِلَايَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو يُوسُفَ الْعُنْوَانَ أَيْضًا بَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا وَكَانَ مَخْتُومًا وَشَهِدُوا بِالْخَتْمِ كَفَى.
(قَوْلُهُ وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: لَمْ يُفْتَكَّ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْرَؤُهُ إلَّا بِحُضُورِهِ لَا مُجَرَّدِ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَتَرْتِيبُ الْحَالِ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ اسْتَغْنَى عَنْ الْكِتَابِ، وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ لَهُ هَلْ لَك حُجَّةٌ، فَإِنْ قَالَ مَعِي كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْك طَالَبَهُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَضَرُوا أَحْضَرَ خَصْمَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَيَشْهَدُونَ بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا فَحِينَئِذٍ افْتَكَّهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْرَأْهُ إلَّا بِحُضُورِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْكِتَابَ فِي الْمَعْنَى (بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ) عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَنْقُلُ أَلْفَاظَ الشُّهُودِ بِكِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ يَنْقُلُ شَهَادَةَ شَاهِدِ الْأَصْلِ بِعِبَارَتِهِ (بِخِلَافِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ) فَإِنَّهُ يَسْمَعُ مِنْ الْأُصُولِ الشَّهَادَةَ وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَائِبًا (لِأَنَّ سَمَاعَهُ لَيْسَ لِلْحُكْمِ بَلْ لِلنَّقْلِ) فَكَانَ سَمَاعُهُ بِمَنْزِلَةِ تَحَمُّلِ الْفَرْعِ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَفِي التَّحَمُّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute