للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ، حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ قَاضِيًا آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلْدَةِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ وَهُوَ مُعَرَّفٌ،

مِنْ أَنَّهُ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ بِأَنْ ارْتَابَ فِي هَؤُلَاءِ فَيَقُولُ زِدْنِي شُهُودًا، وَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْمَزِيدِينَ إلَّا حَالَ قِيَامِ الْخَتْمِ.

[فَرْعٌ]

لَوْ سَمِعَ الْخَصْمُ بِوُصُولِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِهِ فَهَرَبَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى كَانَ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي، فَكَمَا جَوَّزْنَا لِلْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ نُجَوِّزُ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا لِلْحَاجَةِ.

وَلَوْ كَتَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ شُهُودِ الْكِتَابِ، بَلْ يُعِيدُ الْمُدَّعِي شَهَادَتَهُمْ لِأَنَّ سَمَاعَهُ الْأَوَّلَ كَانَ لِلنَّقْلِ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِهِ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُهَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَقْتَ شَهَادَتِهِمْ (وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) هَذَا شَرْطٌ آخَرُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى قَضَائِهِ إلَى أَنْ يَمْضِيَ أَمْرُ الْكِتَابِ، فَلَوْ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ بِجُنُونٍ أَوْ عَمًى، قَالُوا أَوْ فِسْقٍ، وَإِنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَزْلِ بِالْفِسْقِ بَطَلَ الْكِتَابُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ: يُعْمَلُ بِهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، لِأَنَّهُ يَنْقُلُ بِهِ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابَةِ فَكَانَ كَشُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ مَاتَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْعِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ فِي الذَّخِيرَةِ مَنْعُ تَمَامِ النَّقْلِ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بَلْ حَتَّى يَصِلَ وَيَقْرَأَهُ، لِأَنَّ هَذَا النَّقْلَ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِقِرَاءَتِهِ؛ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِبَارَةَ الْجَيِّدَةَ أَنْ يُقَالَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا قَبْلَ وُصُولِهِ، لِأَنَّ وُصُولَهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقِرَاءَتِهِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا) يَعْنِي قَبْلَ تَمَامِ الْقَضَاءِ (وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ قَاضِيًا آخَرَ) غَيْرَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِ عَمَلِهِمَا) وَلَوْ كَانَ عَلَى قَضَائِهِ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَمَلِ الْآخَرِ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا غَيْرَ أَنَّ الْكِتَابَ خُصَّ مِنْ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ وَقِرَاءَتِهِ عَمِلَ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

(وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) أَوْ عُزِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ لَا يَعْمَلُ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ عِنْدَنَا (إلَّا إذَا) كَانَ (كَتَبَ إلَى فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ غَيْرَهُ صَارَ تَبَعًا لَهُ) وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا هُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَعْمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى مَا تَحَمَّلُوهُ، وَمَنْ تَحَمَّلَ وَشَهِدَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ قَاضٍ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ وَصَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>