بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَرَّفٍ، وَلَوْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ.
(وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا
كَمَا لَوْ كَتَبَ وَإِلَى كُلِّ قَاضٍ وَصَلَ إلَيْهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَاتِبَ لَمَّا خَصَّ الْأَوَّلَ بِالْكِتَابَةِ فَقَدْ اعْتَمَدَ عَدَالَتَهُ وَأَمَانَتَهُ، وَالْقُضَاةُ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَصَحَّ التَّعْيِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هُنَاكَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْكُلِّ وَأَمَانَتِهِمْ فَكَأَنَّ الْكُلَّ مَكْتُوبٌ إلَيْهِمْ مُعَيَّنِينَ. أَمَّا لَوْ كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَالْوَجْهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ إعْلَامَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فَالْعُمُومُ يُعْلَمُ كَمَا يُعْلَمُ الْخُصُوصُ وَلَيْسَ الْعُمُومُ مِنْ قَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالتَّجْهِيلِ فَصَارَ قَصْدِيَّتُهُ وَتَبَعِيَّتُهُ سَوَاءً.
(وَلَوْ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُقْبَلُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشُّهُودِ وَقَدْ شَهِدُوا. قُلْنَا (لِأَنَّ فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي (شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَا يُقَامُ بِهِ الْحَدُّ لِأَنَّ مَبْنَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الْإِسْقَاطِ بِالشُّبُهَاتِ (وَفِي قَبُولِ الْكِتَابِ سَعْيٌ) وَاحْتِيَاطٌ (فِي إثْبَاتِهِمَا) وَعُرِفَ مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى عَدَمِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا إلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute