وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ.
(وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قُلِّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَصَارَ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَسْتَخْلِفُ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً
الْعَقْلِ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْخُصُومَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي مَحَافِلِ الْخُصُومِ، قَالَ ﷺ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ) يَعْنِي وَجْهَ جَوَازِ قَضَائِهَا، وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ كَالشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَتَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُ قَبْلُ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَخُصُّ وَجْهَ اسْتِثْنَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَنْصِبْ الْخِلَافَ لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرَ غَايَةُ مَا يُفِيدُ مَنْعُ أَنْ تَسْتَقْضِيَ وَعَدَمُ حِلِّهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَوْ وُلِّيَتْ وَأَثِمَ الْمُقَلِّدُ بِذَلِكَ أَوْ حَكَّمَهَا خَصْمَانِ فَقَضَتْ قَضَاءً مُوَافِقًا لِدِينِ اللَّهِ أَكَانَ يَنْفُذُ أَمْ لَا؟ لَمْ يَنْتَهِضُ الدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَا أَنْ يَثْبُتَ شَرْعًا سَلْبَ أَهْلِيَّتِهَا، وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ سِوَى نُقْصَانِ عَقْلِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ سَلْبِ وِلَايَتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً وَنَاظِرَةً فِي الْأَوْقَافِ وَوَصِيَّةً عَلَى الْيَتَامَى وَذَلِكَ النُّقْصَانُ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ، ثُمَّ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْجِنْسِ فَجَازَ فِي الْفَرْدِ خِلَافُهُ؛ أَلَا تَرَى إلَى تَصْرِيحِهِمْ بِصِدْقِ قَوْلِنَا: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ مَعَ جَوَازِ كَوْنِ بَعْضِ أَفْرَادِ النِّسَاءِ خَيْرًا مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ النَّقْصِ الْغَرِيزِيِّ نَسَبَ ﷺ لِمَنْ يُوَلِّيهِنَّ عَدَمَ الْفَلَاحِ، فَكَانَ الْحَدِيثُ مُتَعَرِّضًا لِلْمُوَلِّينَ وَلَهُنَّ بِنَقْصِ الْحَالِ، وَهَذَا حَقٌّ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ وُلِّيَتْ فَقَضَتْ بِالْحَقِّ لِمَاذَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْحَقُّ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ) فِي صِحَّةٍ وَلَا مَرَضٍ (إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ) فَيَمْلِكَهُ كَمَا أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْمَنْعِ يَمْتَنِعُ مِنْهُ وَهَذَا (لِأَنَّهُ قُلِّدَ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ) جَازَ لَهُ أَنْ (يَسْتَخْلِفَ) لِأَنَّهُ لِتَوَقُّتِهِ بِحَيْثُ لَوْ عَرَضَ فِي وَقْتِهِ مَا يَمْنَعُهُ كَانَ لَا إلَى خُلْفٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ غَرَضٌ لِلْأَعْرَاضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute