وَلَا كَذَلِكَ الْقَضَاءُ. وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى الثَّانِي فَأَجَازَ الْأَوَّلُ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ هُوَ الصَّحِيحُ. .
فَكَانَ الْمُوَلَّى لَهُ آذِنًا فِي اسْتِخْلَافِهِ دَلَالَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَخْلِفُ سَمِعَ الْخُطْبَةَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا فَلَا لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ هُنَاكَ بَانٍ وَلَيْسَ بِمُفْتَتِحٍ، وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ الِافْتِتَاحِ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ، وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَهَا هَذَا الْخَلِيفَةُ وَاسْتَفْتَحَ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِيهَا صَحِيحٌ، وَبِهَذَا الشُّرُوعِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ حُكْمًا، وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ لِنَفْسِهِ فَكَانَ لَهُ تَمْلِيكُهَا، بِخِلَافِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّمَا هِيَ إذْنٌ فِي أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا قَالُوا: مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ إقَامَةُ غَيْرِهِ مُقَامَ نَفْسِهِ، وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ، وَبِخِلَافِ الْوَصِيِّ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ وَالتَّوْكِيلَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَيْضًا لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ وَالْمُوصِي قَدْ مَاتَ فَلَا يُمْكِنُ رَجْعُهُ إلَى رَأْيِهِ فَتَضَمَّنَ الْإِيصَاءُ الْإِذْنَ بِالِاسْتِخْلَافِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَضَى الثَّانِي بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَضَى) بِغَيْبَتِهِ فَبَلَغَهُ (فَأَجَازَ جَازَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ) إذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ غَيْرَهُ فَتَصَرَّفَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ نَفَذَ (لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الشَّرْطُ) فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ بِتَوْكِيلِهِ، وَتَحْقِيقُ حَالِهِ أَنَّهُ فُضُولِيٌّ ابْتِدَاءً وَكِيلٌ انْتِهَاءً، وَلَا يَمْتَنِعُ إذْ قَدْ يَجُوزُ فِي الِانْتِهَاءِ وَالْبَقَاءِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ خُصُوصًا وَقَدْ فُرِضَ زَوَالُ الْمَانِعِ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ هُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِمَّا حَضَرَهُ رَأْيُهُ (وَإِذَا فُوِّضَ إلَيْهِ) الِاسْتِخْلَافُ (يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ الثَّانِي نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ) يَعْنِي السُّلْطَانَ (حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ) إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُ عَزْلَهُ، أَوْ قَالَ جَعَلْتُك قَاضِي الْقُضَاةِ فَإِنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا وَعَزْلًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute