للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَيَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ) لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَرْضٌ بِالنَّصِّ، وَالْقِرَاءَةُ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذُ مِنْ النَّارِ كُلُّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِهِ

تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِيمَا أَسْنَدْنَاهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ) إنَّ لِلْوَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ، قَالَ تَعَالَى ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وَوَعْدُهُ حَتْمٌ وَإِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُتَشَاغِلِ عَنْهُ بِهِ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ أَمَّ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَفِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ.

وَفِي النَّفْلِ يَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ عِنْدَ ذِكْرِهِمَا وَيَتَفَكَّرُ فِي آيَةِ الْمَثَلِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ، وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ مِنْ النَّارِ» وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهُ فِي النَّافِلَةِ وَهُمْ صَرَّحُوا بِالْمَنْعِ إلَّا أَنَّهُمْ عَلَّلُوهُ بِالتَّطْوِيلِ عَلَى الْمُقْتَدِي، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَّ مَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ طَلَبُ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ (قَوْلُهُ بِالنَّصِّ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ وَالْإِنْصَاتُ لَا يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ لِأَنَّهُ عَدَمُ الْكَلَامِ، لَكِنْ قِيلَ إنَّهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ لَا مُطْلَقًا.

وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَمْرَانِ: الِاسْتِمَاعُ، وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ، وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ وُرُودَ الْآيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ «كَانَ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: سَأَلْت بَعْضَ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ، أَحْسِبُهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ: كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ، قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، هَذَا وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ مُطْلَقًا.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ يَكْتُبُ الْفِقْهَ وَبِجَنْبِهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا يُمْكِنُهُ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ فَالْإِثْمُ عَلَى الْقَارِئِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَرَأَ عَلَى السَّطْحِ فِي اللَّيْلِ جَهْرًا وَالنَّاس نِيَامٌ يَأْثَمُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إطْلَاقِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ.

[فُرُوعٌ فِي الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ] يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَتَعَمَّمَ وَيَسْتَقْبِلَ، وَكَذَا الْعَالِمُ لِلْعِلْمِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَلَوْ قَرَأَ مُضْطَجِعًا فَلَا بَأْسَ وَيَضُمُّ رِجْلَيْهِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمُ النَّائِمِ، بِخِلَافِ مَدِّهِمَا فَإِنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَلَوْ قَرَأَ مَاشِيًا أَوْ عِنْدَ النَّسْجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ أَوْ هِيَ عِنْدَ الْغَزْلِ وَنَحْوِهِ، إنْ كَانَ الْقَلْبُ حَاضِرًا غَيْرَ مُشْتَغِلٍ لَا يُكْرَهُ، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَفِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>