يُنْفِذُهُ وَلَا يَرُدُّهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ.
(وَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ النَّفَاذِ
أَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُنَفِّذُ خِلَافَ رَأْيِهِ فِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ اجْتِهَادَ الثَّانِي فِي الْبُطْلَانِ كَاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ فِي الصِّحَّةِ مَثَلًا فَتَعَارَضَ اجْتِهَادَاهُمَا وَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يَنْقُضُهُ الثَّانِي بِاجْتِهَادٍ هُوَ دُونَهُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) رِوَايَةً وَاحِدَةً (وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) عَنْهُ (وَوَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ) لِأَنَّ رَأْيَهُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ الصَّوَابَ، وَرَأْيُ غَيْرِهِ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُ خَطَأَهُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَطَأً بِيَقِينٍ، فَكَانَ حَاصِلُهُ قَضَاءً فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ.
وَوَجْهُ عَدَمِ النَّفَاذِ أَنَّ قَضَاءَهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ غَيْرُ حَقٍّ عَبَثٌ فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَى غَيْرِهَا لَا يَصِحُّ لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَ نَفْسِهِ، فَكَذَا هَذَا، وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ. وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَفَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْقُضَاةُ مِنْ الْإِرْسَالِ إلَى الشَّافِعِيِّ لِيَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ كَوْنِ الْقَاضِي الْمُرْسَلِ يَرَى بُطْلَانَهُ كَالشَّافِعِيِّ وَإِلَّا كَانَ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ لِيَفْعَلَ مَا هُوَ الْبَاطِلُ عِنْدَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ: هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ الْقَضَاءَ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَيَرَوْنَ مَا يَحْكُمُونَ بِهِ نَافِذًا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْخُلَفَاءِ انْتَهَى.
وَأَوْكَدُ الْأُمُورِ فِي هَذَا حُكْمُ شُرَيْحٍ بِمَا يُخَالِفُ رَأْيَ عَلِيٍّ كَثِيرًا وَهُوَ يَعْلَمُ وَيُوَافِقُهُ كَمَا عَلِمَ فِي رَدِّهِ شَهَادَةَ الْحَسَنِ لَهُ وَعُمَرَ قَبْلَهُ، فَقِيلَ صَحَّ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَلَّدَ أَبَا الدَّرْدَاءِ الْقَضَاءَ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ لَقِيَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ عُمَرُ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ: قَضَى عَلَيَّ فَقَالَ: لَوْ كُنْت مَكَانَهُ قَضَيْت لَك، قَالَ: فَمَا يَمْنَعُك؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هُنَا نَصٌّ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُرْسِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute