للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ مَتَى لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ

التَّصَرُّفَاتِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الشَّهَادَةُ انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مُعَارَضَةُ الْمَعْنَى لِلدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ النَّصَّ تُوجِبُ اشْتِبَاهَ الدَّلِيلِ فَيَصِيرُ الْمَحَلُّ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ، فَكُلُّ خِلَافٍ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَوْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَوْ أَحَدِهِمْ مَحَلُّ اشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ حِينَئِذٍ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى كَوْنِهِ بَيْنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَوَاضِعَ نَصَّ فِيهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِعَيْنِهَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ وَهُنَاكَ لَوْثٌ مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ كَقَوْلِ مَالِكٍ لَا يَنْفُذُ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» مَعَ أَنَّ مَعَهُ ظَاهِرًا فِي حَدِيثِ مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةَ نَذْكُرُهُ فِي الْقَسَامَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وَلَوْ قَضَى بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الثَّانِي بِلَا دُخُولٍ كَقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَا يَنْفُذُ لِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ. وَفِي السِّيَرِ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إذَا قَضَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمْلِكُونَ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ نَفَذَ. وَفِي الْفُصُولِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ: الزَّوْجُ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ يَنْفُذُ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا وَهُوَ صَرِيحٌ ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ زُفَرَ. وَلَوْ قَضَى فِي الْمَأْذُونِ فِي نَوْعٍ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَقَطْ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ مُتَّفِقًا.

وَلَوْ قَضَى بِنِصْفِ الْجِهَازِ فِيمَنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَتَجَهَّزَتْ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْجُمْهُورِ، وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ. وَلَوْ قَضَى بِعَدَمِ جَوَازِ عَفْوِ الزَّوْجَةِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ إنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْقِصَاصِ لَا يَنْفُذُ. وَلَوْ زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَقَضَى بِإِقْرَارِ الْبِنْتِ مَعَهُ نَفَذَ.

وَحَكَى فِي الْفُصُولِ فِيمَا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَقَضَى بِجَوَازِهِ خِلَافًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ، وَبِصِحَّةِ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ يَنْفُذُ، وَيَنْفُذُ بِالْقُرْعَةِ فِي رَقِيقٍ أَعْتَقَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَبِالشَّهَادَةِ لِأَبِيهِ، وَعَكْسُهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَنْفُذُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَبِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَفَذَ وَبِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى وَصِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَيْهِمْ الْمَيِّتُ أَمْضَاهُ الْآخَرُ وَبِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُوَقَّتِ بِأَيَّامٍ نَفَذَ وَلَوْ عَقَدَا مُوَقَّتًا بِلَفْظِ الْمُتْعَةِ، نَحْوُ مَتِّعِينِي بِنَفْسِك عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَا يَنْفُذُ.

وَلَوْ قَضَى بِرَدِّ زَوْجَتِهِ بِالْعُيُوبِ مِنْ الْعَمَى وَالْجُنُونِ نَفَذَ لِأَنَّ عُمَرَ يَقُولُ بِرَدِّهَا بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ، وَكَذَا بِصِحَّةِ رَدِّ الزَّوْجَةِ لَهُ. وَلَوْ قَضَى بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِالتَّقَادُمِ بِلَا إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يَنْفُذْ، وَكَذَا إذَا قَضَى أَنْ لَا يُؤَجَّلَ الْعِنِّينُ. هَذَا فِي الْقَضَاءِ بِالْمُجْتَهَدِ فِيهِ.

أَمَّا إذَا كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدًا فِيهِ فَهَذِهِ فُرَيْعَاتٌ مِنْهُ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَالْوَاقِعُ تَوَقَّفَ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ أَمْضَاهُ لَيْسَ لِلثَّالِثِ نَقْضُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ: أَعْنِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ. وَعَلَيْهِ فَرْعٌ إذَا قَضَى بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْسِدِ لِلْفَسَادِ لَا يَنْفُذُ لِتَحَقُّقِ الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَقِيلَ أَنْ يُمْضِيَ الثَّانِي نَقْضَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَضَاءً فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَتِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ فَالْقَاضِي الثَّانِي مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَهُ أَوْ يَرُدَّهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ قَضَى الْمَحْدُودُ أَوْ الْأَعْمَى.

وَأَمَّا قَضَاءُ السُّلْطَانِ فِي أَمْرٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ يَحْتَاجُ فِي نَفَاذِهِ إلَى أَنْ يُنْفِذَهُ قَاضٍ آخَرُ. وَقِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ فِي صِحَّةِ نَقْضِ الثَّانِي إنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَلَيْهِ نَفَذَ قَضَاءُ الثَّانِي بِإِطْلَاقِهِ عَنْ الْحَجْرِ.

(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ) حَاصِلُهُ تَوْجِيهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>